تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} (127)

الآية 127 وقوله تعالى : { ليقطع طرفا من الذين كفروا } الآية ، قال قتادة : ( كان يوم بدر قتل صناديدهم وقادتهم في الشر ) ، وقيل { طرفا من الذين كفروا } يعني أهل مكة ، وقوله تعالى : { أو يكبتهم } قيل : يخزيهم . وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[4301]} قال : ( الكبت الهزيمة ) وقيل : الكبت هو الصرع على وجهه ، وقوله تعالى : { فينقلبوا خائبين } والخائب هو الذي لن يظفر بحاجته ، أي رجعوا ، ولم يصيبوا ما أملوا .

قال الشيخ ، رحمه الله : ما ذكر من حضور الملائكة الحرب ، فهو ، والله أعلم ، في حق محنة الملائكة ، ولله أن يمتحنهم بما شاء من الحضور والمعونة والكف عن ذلك أو الدعاء لأوليائه بالنصر وبما شاء الله من الوجوه التي يمتحن بها عباده ، وفيهم من قد امتحنه على الأرزاق والأرواح والأمطار والأعمال وأنواع الأذكار والأفعال [ إذ هم خلق اصطفاهم ، واختارهم لعبادته وطاعته في جميع ما يأمرهم ليجل به قدرته ، ويعلي رتبتهم ، لو أذن لهم بالمعونة أعانوا المؤمنين على قدر الإذن لهم ]{[4302]} إذ هم على ما وصفهم الله [ بقوله تعالى ]{[4303]} { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } [ الأنبياء : 27 ] وقوله تعالى : { يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون } [ فصلت : 38 ] وغير ذلك ما وصفهم بالطاعة له والاتباع لأمره ، وما أكرمهم من هيبته وجلاله وخوف عقابه ، صلوات الله عليهم أجمعين ، ثم كان للمؤمنين في حضورهم أنواع البشارات في ما لم يكن إذن لهم بالقتال وأنواع الآيات في ما قد أذن لهم بالقتال وأنواع الآيات في ما قد أذن لهم على ذكر من أمر بدر وغيره مما أخبر الله جل وعلا : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أنه معكم فثبتوا الذين آمنوا } الآية [ الأنفال : 12 ] [ وفيه وجهان :

أحدهما ]{[4304]} : أن يكون الله يؤيدهم بما به تشيع قلوب المؤمنين على ما قد أمكن الأعداء{[4305]} من أنواع الوساوس التي لديها تضطرب قلوبهم ، فمثله يمكن أولياؤه في تشجيع المؤمنين ليسكن قلوبهم ، ويثبت أقدامهم ، والله أعلم .

والثاني : أن يكون الذي جبل عليه الخلق : أن يكون كل واحد [ عند ]{[4306]} معاينة الحاجة إلى رعاية ، وما يحتمله وسعه من معونة ، عليه أقبل ، وبه أرغب ، فيكون للمؤمنين بحضورهم رجاء{[4307]} النصر بدعائهم ، ويخرج قوله تعالى : { إنا لننصر رسلنا } الآية [ غافر : 51 ] وقوله تعالى : { وما جعله الله إلا بشرى لكم } والله أعلم إذ{[4308]} كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نصرهم{[4309]} يبشرهم بحضورهم ، فيكون لهم ذلك فضل ثبات وقرار حياة منهم بما أعملوا{[4310]} اطلاعهم على ذلك ، أو يكون لهم فضل قوة بذلك وإقبال على الأمر على ما جبل الخلق من الإقبال على الأمور المهمة ، وإذا كثروا ، فعلى{[4311]} ذلك قوله : { إذ أعجبتكم كثرتكم } [ التوبة : 25 ] ولعلهم أيضا بما يطمعون أنهم لو أطاعوا الله ، وثبتوا لأعدائه أن لهم النصر والرفعة{[4312]} ، فكان ذلك بعض ما يستشبرون . وعلى ذلك أكثر ما بلي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهزيمة ، إنما كان يصرف قلوبهم إلى بعض ما جبل عليه البشر من حب الدنيا والإعجاب بالكثرة ونحو ذلك .

ثم من أعظم الأعلام في ذلك ما قال الله جل وعلا : { وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله } [ الآية : 126 ] فتكون البشارة والطمأنينة بالذي جبل عليه البشر على ما يثبت ، ويكون النصر من عند الله الذي متى أراد نصر أحد فلن يغلب : قلت أعوانه ، أو كثرت . وذلك لطف من الله العزيز العليم يريهم النصر من الوجه الذي لا يعلمه إلا هو ، وفي حال الأنفس من أنفسهم أن يقوم لعدوهم ليعلموا عظيم لطفه الذي بمثله ارتفعت درجات الأخيار ، وشرفت منازلهم ، ولو كان لهم بالإذن على ما ذكر من قوة جبريل عليه السلام في قلب قريات لوط بجناح واحد ، لم يكن يقوم لمثله أهل الأرض فضلا من عدد يسير منهم ، ولكنهم لا يتقدمون بين يدي الله ، والله لم يكن أذن لهم في القتال عند كل مشهد ، والله أعلم .


[4301]:ساقطة من الأصل وم.
[4302]:من م، ساقطة من الأصل.
[4303]:ساقطة من الأصل وم.
[4304]:ساقطة من الأصل وم.
[4305]:في الأصل وم: أعداء.
[4306]:من م، ساقطة من الأصل.
[4307]:من م، في الأصل: رجاء.
[4308]:في الأصل وم: او.
[4309]:في الأصل وم: عصرهم.
[4310]:في الأصل وم: اعملوا.
[4311]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[4312]:في الأصل وم: والدفع