الآية 1و2و3 قوله تعالى : { الم } { غُلِبت الروم } { في أدنى الأرض } وفي بعض القراءات : غَلَبت الروم بفتح الغين( {[15888]} ) على المستقبل .
يذكر أهل التأويل أنه إنما يذكر هذا لأن المشركين كانوا يجادلون المسلمين ، وهم بمكة ؛ يقولون : إن الروم أهل الكتاب ، وقد غلبتهم المجوس ، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل على نبيكم ، فستغلبكم كما غلبت فارس الروم .
فأنزل الله هذه الآيات( {[15889]} ) : { الم } { غلبت الروم } { في أدنى الأرض } الآية . لكن يذكر في آخره { ويومئذ يفرح المؤمنون } { بنصر الله ينصر من يشاء } فلا يحتمل فرح المؤمنين بغلبة الروم على فارس ، ويسمى ذلك نصرا لله ، وهم كفار ، وغلبتهم عليهم معصية . اللهم إلا أن يكون فرحهم بما يظهر الإيمان بكتب الله وتصديقها والعمل بها ، وهم كانوا أهل كتب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث مصدِّقا بكتب الله وبرسله أجمعين( {[15890]} ) ففرحوا بذلك .
فإن كان كذلك فجائز الفرح بذلك وتسميته نصر الله . وأما على الوجه الذي يقولون هم فلا . وعندهم أن في ذلك آية عظيمة في إثبات رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وصدقه ما لم يجد الكفار فيه مطعنا [ وما يمكّنهم نسبته ] ( {[15891]} ) إلى الكذب والافتراء على ما قالوا ، وطعنوا في سائر الآيات والأنباء كقولهم( {[15892]} ) { إنما يعلمه بشر } [ النحل : 104 ] ونحو ذلك من المطاعن التي طعنوا في القرآن والأنباء المتقدمة حين( {[15893]} ) قالوا : { إن هذا إلا أساطير الأولين } [ الأنعام : 25و . . ] { وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى } [ سبأ : 43 ] .
فمثلها لم يجدوا في ما أخبر من غلبة الروم على فارس لأنه أخبر عن غلبة ستكون ، وستحدث ، لا عن غلبة قد كانت . ومثل هذا لا يدركه البشر ، ولا يستفاد منه( {[15894]} ) إذ لا يبلغه علم البشر ، ولا يدرك بالقياس السابق من الأمور .
فإذا كان على ما أخبر دل أنه بالله أُعْلِم ذلك ، وبوحي منه إليه ، فعرف ذلك .
وهم : جائز أن يستدلوا بما كان من قبل من غلبة فارس على الروم أن يقولوا : تغلب فارس على الروم بما شاهدوه مرة أو بوجوه( {[15895]} ) أخر ، يستدلون بذلك : من نحو أن يقولوا : إنهم أهل كتاب وعبادة ، يكونون مشاغيل بالنظر فيها والعمل ببعض ما فيها ، لا يتفرغون للقتال والحرب ، أو أن يقولوا : إنهم نصارى ؛ أعني أهل الروم ، وليس في سنتهم ومذهبهم القتال والحرب ، فيستدلون بمثل هذه الوجوه على أن لا غلبة تكون لهم ، ولا ظفر .
وأما أهل الإسلام ، فليس لهم شيء من تلك الوجوه ، ولا بغيرها وجه الاستدلال بغلبة أولئك ، فما قالوا ذلك إلا وحيا من الله وإعلاما منه إياه . فكان في ذلك أعظم آية في صدق رسوله وأكبرها .
فيكون فرح المؤمنين وذكر نصر الله بإظهار تلك الآية في تصديق رسوله إذ نصر رسوله حيث أظهر صدقه ورسالته .
وقوله { غلبت } ، على الماضي لما كان من غلبة فارس على الروم . وغَلَبت بالفتح على المستقبل ، أي تَغْلِبُ الروم على فارس ، وهو كقوله : { فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا } [ سبأ : 19 ] على الأمر في المستقبل ، و : ربنا( {[15896]} ) باعد بين أسفارنا على الخبر . فعلى ذلك الأول .
وقوله تعالى : { في أدنى الأرض } قيل : أقرب إلى أرض فارس . وقال بعضهم : { في أدنى الأرض } أي أدنى أرض/409-ب/ الشام . وقيل : الأرض التي تلي فارس ، والله أعلم .
وفي قوله( {[15897]} ) : { وهم من بعد غلبهم سيغلبون } وفي قوله : { ويومئذ يفرح المؤمنون } { وبنصر الله } [ الروم : 4 و5 ] وجوه على المعتزلة :
أحدهما : يقال لهم : وعد أن يغلب الروم فارس ، وقد أراد أن يخرج ما وعد حقا ، صدقا أم لا ؟
فإن قالوا : لا فقد أعظموا القول ، وأفحشوا حين( {[15898]} ) زعموا أنه أراد ألا يفي بما وعد أن يكون .
وإن قالوا : نعم قيل : دل أنه أراد ما فعلوا ، وإن كان الفعل منهم فعل معصية وخلاف ، إذ محاربة كل فريق أصحابهم معصية ، إذ لم يؤمروا بذلك ، وإنما أمروا بالإسلام . فدل أن الله مريد لما يعلم أنه يكون منهم ، وإن كان ما يكون منهم معصية .
والثاني : ما أخبر بفرح المؤمنين بغلبة هؤلاء على أولئك على أي جهة كان فرحهم لإثبات آية عظيمة على رسالة نبيهم ونبوته على ما ذكرنا ، أو لأنهم كانوا أهل كتب الله ودراستها أحبوا غلبتهم عليهم ، وفرحوا بذلك ، ولا يحتمل أن يفرحوا بذلك ، ولم يأمرهم بذلك ، ولا أراد منهم ذلك .
دل أنهم فرحوا بذلك لما أراد ذلك .
والثالث : في قوله : { بنصر الله ينصر من يشاء } دلالة أن الله في فعل العباد صنعا وتدبيرا حين( {[15899]} ) ذكر فعل بعضهم على بعض ، ثم سمى نصر الله . دل أن له بذلك تدبيرا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.