تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ وَلِيَتَمَتَّعُواْۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ} (66)

الآية 66 وقوله تعالى : { فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } { ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون } قوله : { ليكفروا } أي أنجاهم ليكونوا على ما علم منهم أنهم يكونون . وقد علم أنه يكون منهم الكفر ، فأنجاهم إلى البر ليكون منهم ما قد علم أنه يكون ، ويختارون .

وكان إخلاصهم الدعاء في الفلك ، لم يكن إخلاص اختيار ، ولكن إخلاص دفع البلاء عن أنفسهم ؛ إذ لو كان ذلك إخلاص اختيار لا دفع البلاء لكانوا لا يتركون ذلك في الأحوال كلها .

فهذه الآية ، وإن كانت في أهل الكفر ففي ذلك أيضا توبيخ لأهل الإسلام لأنهم لا يقومون بالشكر لله وإخلاص العبادة له في حال السعة والنعمة كما يكونون في حال الضيق ، فينبههم ليكونوا في الأحوال كلها مخلصين العمل لله شاكرين له لئلا يكون عملهم على حرف وجهة كعمل أهل النفاق وكعمل أولئك الكفرة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فأنى يؤفكون } قيل : يكذبون ، وقيل : يعدلون ، وقيل : { يؤفكون } يؤفنون ، ويحمقون ، والمأفون الأحمق ، والأفن الحمق .

وقوله تعالى : { فسوف يعلمون } أي سوف يعلمون صدقي في قولي : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } [ الأنعام : 28 ] كما عادوا إلى ما كانوا عليه إذا نجاهم من الأهوال التي ابتلوا بها ، أي سوف يعلمون ما أوعدهم الرسل .

وفي قولهم : { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } وجه آخر ، وهو أن يقال : ما هذه المحاسن والأعمال [ التي ]( {[15863]} ) تعملون ، وتعدون محاسن وصلاحا في هذه الدنيا إلا لهو ولعب لما لا تبقى ، ولا ينتفعون بها إلا ما ابتغي بها وجه الله والدار الآخرة . وهو ما قال : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } أي هي الباقية الدائمة { لو كانوا يعلمون } .


[15863]:ساقطة من الأصل وم.