تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (4)

الآية 4 وقوله تعالى : { في بضع سنين } قيل : البضع سبع ، وقيل : ما دون العشر فهو بضع . وكذلك ذكر في الخبر أن أبا بكر رضي الله عنه لما خاطر المشركين ، وبايعهم في ذلك خطر( {[15900]} ) في سنين ذكرها ، فمضت تلك المدة ، ولم تغلب الروم على فارس .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر( أما علمت أن ما دون العشر بضع كله ، فزد في الأجل ، وزد في الخطر ) [ ابن جرير الطبري في تفسيره 21/18 ] ففعل ذلك . فلم تمض تلك السِّنونَ حتى ظهرت الروم على فارس .

وفي بعض الحديث [ أنه ] ( {[15901]} ) قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( ألم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا أجلا دون العشر ، فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر ، فزايدوهم [ في القمار ]( {[15902]} ) ومادّوهم في الأجل ) [ ابن جرير الطبري في تفسيره : 21/19 ] ففعلوا حتى ظهرت الروم على فارس .

ثم المسالة في المخاطرة التي كانت بين أبي بكر وبين أولئك الكفرة [ تخرّج على وجهين :

أحدهما ] ( {[15903]} ) : أن مكة كانت يومئذ دار حرب . دليله قوله : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } الآية [ الأنفال : 30 ] .

وذلك كان قبل الهجرة . أما أمر بالهجرة أيضا إلى المدينة ، ونحوه كثير . وذلك كان كله قبل غلبة الروم على فارس .

فإذا كانت مكة يومئذ دار حرب جازت المخاطرة بالعقود في دار الحرب في ما بينهم وبين أهل الحرب ، وإن كان مثلها في دار الإسلام غير جائز .

وهذا يدل لأبي حنيفة ، رحمه الله ، في إجازته عقد الربا في دار الحرب في ما بينهم وبين أهل الإسلام ، وإن كان مثله في دار الإسلام غير جائز .

والثاني : جاز ذلك يومئذ ، وإن كانت فيه جهالة أسنان الإبل . والجهالة في العقود إنما تبطل العقود لخوف وقوع التنازع بينهم في أمثالهم ، لا يتوهم وقوعه إن كانوا أهل شرف وكرم وأهل جود لا ينازعوا في أمثالها .

فإذا كان التنازع في مثلها مرتفعا من بينهم جاز ذلك أن يكون التنازع بينهم في الدين . فأما في الأموال فقلما يقع لما ذكرنا .

ومنهم من يقول : كان جائزا ذلك في الجاهلية . فأما اليوم فقد جاء النهي عن القمار فنسخه . وإنما عرف النهي عن الميسر ، والميسر هو القمار فيكون النهي عن الشيء نهيا عما هو في معناه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لله الأمر من قبل ومن بعد } قال بعضهم : { لله الأمر من قبل } قبل غلبة فارس على الروم { ومن بعد } بعد غلبة فارس على الروم . ويقال : { لله الأمر من قبل } حين ظهرت الفارس على الروم { ومن بعد } بعدما ظهرت الروم [ على فارس . وجائز ]( {[15904]} ) أن يكون قوله : { لله الأمر } في خلقه ، أي التدبير فيه وله الأمر فيهم ، أي ليس لأحد في الخلق أمر ولا تدبير ، وإنما ذلك له كقوله : { ألا له الخلق والأمر } [ الأعراف : 54 ] له التدبير فيهم والأمر .

وفي قراءة من قرأ : { غلبت الروم } غَلبت بالنصب يكون قوله : { وهم من بعد غلبهم سيغلبون } حين يتظاهر عليهم المسلمون في آخر الزمان حين تفتح قسطنطينية .

وفي حرف ابن مسعود وحفصة : في بعض سنين قريبا .


[15900]:في الأصل وم: يخطر.
[15901]:ساقطة من الأصل وم.
[15902]:ساقطة من الأصل وم.
[15903]:في الأصل وم: أحدها.
[15904]:من م، ساقطة من الأصل.