تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (64)

الآية 64 وقوله تعالى : { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } كقوله( {[15855]} ) : { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة } [ الحديد : 20 ] ولو( {[15856]} ) كان الأمر على ظاهر ما نطق به الكتاب دون معان ، تودع فيه ، وحكمة ، تجعل فيه على ما يحمله بعض الناس لكان لأهل /408-ب/ الإلحاد في ذلك مطعن ، لأنه يقول : { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } وهو خلقها ، فيقولون : لم خلقها لهوا ولعبا ؟ وهو خلقها ، ولهم دعوى التناقض فيه حين( {[15857]} ) قال : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا } [ ص : 27 ] وقال في آية أخرى : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين } [ الدخان : 38 ] .

فلو جمع بين هذا وبين الأول ، وهو في الظاهر متناقض ؛ إذ يذكر في بعضها أنه لم يخلقهما وما بينهما باطلا لعبا ، ويذكر في بعضها أن الحياة الدنيا لهو ولعب ، وهو خلقها .

لكن تأويل قوله : { وما هذه الحياة الدنيا } على ما تقدرون أنتم وعلى ما عندكم { إلا لهو ولعب } . فأما ما عند أهل التوحيد وما في تقديرهم فهي حكمة وحق . ثم هو ما ذكر من اللهو واللعب عندهم يخرج على وجهين :

أحدهما : أنهم رأوا أنه خلق الإنسان ، وجعل بدأه من نطفة ، ثم حولها إلى علقة ، ثم إلى مضغة ، ثم إلى الإنسان الذي صور إلى آخر ما حوله . فلا يحتمل أن يخلقه ، ويحوله من حال إلى الأحوال التي ذكر ، ثم يفنيه ، بلا عاقبة ، تجعل له( {[15858]} ) ، ولا منفعة ، فيكون كما ذكر : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا } [ النحل : 92 ] صير نقضها الغزل من بعد إحكامها إياه بلا انتفاع به لهوا ولعبا .

فعلى ذلك خلق الحياة الدنيا وخلق ما فيها من العالم بعد إحكامه وتحويله حالا بعد حال أو تحويلا بعد تحويل وإحكاما بعد إحكام للفناء خاصة ما يقدر أولئك الكفرة بلا عاقبة تجعل لهم ، أو منفعة لهو ولعب وسفه وباطل على ما ظن أولئك وقدروه .

فأما ما في تقدير أهل التوحيد وأهل الإيمان من العاقبة لهم فهو حكمة وحق .

والثاني : معنى اللهو واللعب الذي ذكر على ما عندهم ، هو أن الجمع والتسوية بين العدو والولي وبين العاصي والمطيع وبين المخالف والموافق سفه باطل . وقد سوى بينهم في هذه الدنيا ، وأشركهم جميعا في نعيمها وسعتها وشدتها وخيرها وشرها ؛ يتمتع الولي فيها كما يتمتع العدو ، ويبتلى فيها المطيع كما يبتلى العاصي .

فلو لم تكن دار أخرى ، فيها يفرق بين الولي والعدو وبين المطيع والعاصي لكان خلقه إياهم في الحياة الدنيا سفها وباطلا ؛ إذ سوى بينهم ، وأشركهم جميعا في هذه .

[ ويحتمل ] ( {[15859]} ) أن تكون الحياة الدنيا على ما اتخذوها هم ، وعملوا فيها ، لهوا ولعبا ، وأن( {[15860]} ) تقابل الحياة الدنيا بحياة الآخرة [ خلقت الحياة الدنيا ]( {[15861]} ) فانية منقطعة ، وخلقت حياة الآخرة باقية دائمة .

فهو كما قال : { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى } [ النساء : 77 ] أي متاع الدنيا قليل عند متاع الآخرة ، لأن متاع الدنيا فان منقطع ومتاع الآخرة دائم باق .

وقوله تعالى : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } أي هي دار الحياة ، لا موت فيها ، ولا انقطاع ، ولا فناء { لو كانوا يعلمون } أن الدار الآخرة ، هي الدار التي لا موت فيها ، والله أعلم .


[15855]:في الأصل وم: وقوله.
[15856]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[15857]:في الأصل وم: حيث.
[15858]:في الأصل وم: لهم.
[15859]:في الأصل وم: أو.
[15860]:في الأصل وم: أو أن.
[15861]:في الأصل وم: لهو ولعب لأنها خلقت.