الآية 32 وقوله تعالى : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } .
اختُلف فيه : قال بعضهم : { فمنهم ظالم لنفسه } هو ممن أخبر أنه اصطفاه للهدى من متّبعي محمد ، وهم أصحاب الكبائر في قول المعتزلة{[17287]} ، وقال بعضهم : هم أصحاب الصغائر ، [ وهو قول بعض الخوارج ]{[17288]} وقال بعضهم : هم أصحاب الكبائر والصغائر جميعا . ومنهم من يقول : هو في الناس جميعا ، المتّبع له ، وغير المتّبع .
ثم اختلف في قوله : { ظالم لنفسه } قال بعضهم : هو المنافق الذي أظهر الموافقة لرسوله ، وأضمر الخلاف له ، وقال بعضهم : هم اليهود والنصارى ، فقد آمنوا به قبل أن يُبعث ، فلما بُعث كفروا به ، وقال بعضهم : هم المشركون ، وقد أقسموا أنهم : { لئن جاءهم نذير ليكوننّ أهدى من إحدى الأمم } [ فاطر : 42 ] فهؤلاء /442-أ/ كلهم في النار . وما ذكر من الاصطفاء والاختيار على قول هؤلاء يكون لرسول الله حين بعثه{[17289]} إليهم ليدعوهم إلى توحيد الله .
والأشبه أن يكون قوله : { فمنهم ظالم لنفسه } من أمته من متّبعي الرسول ما رُوي في الخبر عن أبي الدّرداء رضي الله عنه : إن ثبت ، [ أنه ]{[17290]} قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : فقال : ( فأما السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب ، وأما المقتصد فيُحاسب حسابا يسيرا ، ثم يدخل الجنة ، أما الظالم لنفسه فيُحبس حتى يظن أنه لن ينجو ، ثم تناله الرحمة ، فيدخل الجنة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهم الذين قالوا : { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } [ فاطر : 34 ] [ بنحوه ابن جرير الطبري في تفسيره : 12/137 ] وكذلك روي عن أنس وعائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ثبت عنه فهو تأويل الآية .
وتفسير الظالم : من أهل التوحيد والملّة . [ وتفسير المقتصد ما ]{[17291]} قال بعضهم : هو الذي يخلط عملا صالحا بعمل سيء كقوله : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا } [ التوبة : 102 ] وقال بعضهم : هو الذي يقوم بأداء الفرائض والأركان ، وأما غيره فلا .
أحدهما : { سابق للخيرات } كلها ، لا تقصير منه ولا نقصان .
[ والثاني ]{[17292]} : { سابق بالخيرات } فيه تقصير ونقصان .
وقد ذكرنا هؤلاء الفرق الثلاثة في غير موضع : [ قال في موضع ]{[17293]} : { والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار } الآية ثم قال : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } [ وقال ]{[17294]} : { وآخرون مُرجَون لأمر الله } [ التوبة : 100 و102 و106 ] . فالذين اعترفوا بذنوبهم { ومنهم مقتصد } والآخرون { فمنهم ظالم لنفسه } . وقال في موضع آخر : { والسابقون السابقون } { أولئك المقرّبون } { في جنت النعيم } [ الواقعة : 10 و11 و12 ] وقال : { وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين } { في سدر مخضود } [ الواقعة : 27 و28 ] إلى آخر ما ذكر [ الواقعة : 40 ] وقال : { وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال } [ الواقعة : 41 ] .
ففي ظاهر هذا أن أصحاب الشمال المكذّبون حين ذكر في آخر السورة الفرق الثلاثة حين [ قال ]{[17295]} : { فأما إن كان من المقرّبين } { فروح وريحان وجنات نعيم } { وأما إن كان من أصحاب اليمين } { فسلام لك من أصحاب اليمين } { وأما إن كان من المكذبين الضالين } [ الواقعة : 88 -92 ] . ففي ظاهر هذا أن الظالم لنفسه هو المكذّب والكافر في قوله : { وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال } [ الواقعة : 41 ] في ظاهر ما ذكر في سورة التوبة أنه من أهل التوحيد حين{[17296]} قال : { وآخرون مُرجَون لأمر الله } [ التوبة : 106 ] والله أعلم بذلك .
وقوله تعالى : { بإذن الله ذلك } يحتمل بعلم الله ، ويحتمل بمشيئة الله ، وقيل : بأمره .
وقوله تعالى : { ذلك هو الفضل الكبير } يقول ، والله أعلم : هذا الذي أورثناهم من الكتاب هو الفضل الكبير كقوله : { وكان فضل الله عليك عظيما } [ النساء : 113 ] أو يقول : إدخالهم الجنة فضل منه كبير .
وروي عن عمر رضي الله عنه [ أنه ]{[17297]} قال : { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } قال : إن سابقنا سابق ، وإن مقتصدنا ناجٍ ، وإن ظالمنا مغفور له .
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : ألا إن سابقنا أهل الجهاد منا ، وإن مقتصدنا أهل حضرنا ، وإن ظالمنا أهل بدونا .
وابن عباس رضي الله عنه يقول : الظالم لنفسه كافر .
وعن الحسن [ أنه ]{[17298]} قال : الظالم لنفسه المنافق ، وهو هالك ، أما السابق والمقتصد فقد نجيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.