تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

الآية 37 وقوله تعالى : { وهم يصطرخون فيها } قال بعضهم : يصيحون فيها . وقال بعضهم : الاصطِراخ : الاستغاثة ، أي يستغيثون . واصطراخهم : { ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل } .

يفزعون أولا إلى كبرائهم الذين اتبعوهم في الدنيا ، يطلبون منهم دفع بعض ما هم فيه من العذاب والتخفيف عنهم حين{[17315]} قالوا : { إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مُغنون عنا من عذاب الله من شيء } فأجابوا لهم { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } [ إبراهيم : 21 ] وقالوا{[17316]} في آية أخرى { إنا كل فيها } الآية [ غافر : 48 ] .

فلما أيِسوا منهم ، وانقطع رجاؤهم ، فزِعوا عند ذلك إلى خزنة جهنم ، [ وقالوا ]{[17317]} : { ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب } { قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات } [ غافر : 49 و50 ] .

فلما أيسوا منهم ، وانقطع رجاؤهم ، فزعوا إلى مالك يطلبون منه أن يسأل ربه ليقضي عليهم بالموت ، حين{[17318]} قال : { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك } [ الزخرف : 77 ] .

فلما أيِسوا سألوا ربهم الإخراج عنها ليعملوا غير الذي عملوا{[17319]} { ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل } فاحتج عليهم { أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكّر } أي أولم نعمّركم فيها من العُمر مثل العُمر الذي يتّعظ فيه من يتعظ ؟ فهلا اتعظتم فيه ما اتعظ من اتعظ فيه ، وقد أعمرناكم مثل ما أعمرنا أولئك ، أو كلام نحو هذا .

[ وقوله تعالى ]{[17320]} : { وجاءكم النذير } قال بعضهم : جاءكم الرسول ، أنذركم هذا ، فقد كذّبتموه .

وقال بعضهم : { وجاءكم النذير } أي الشيب ، ومعناه ، والله أعلم : أي قد رأيتم ، وعاينتم تغيير الأحوال في أنفسكم من حال إلى حال من حال الصغر إلى الكبر من الشباب إلى المشيب ، والرّد إلى أرذل العمر فهلاّ اتعظتم به كما اتعظ أولئك { فذوقوا فما للظالمين من نصير } .


[17315]:في الأصل وم: حيث.
[17316]:في الأصل وم: وقال.
[17317]:في الأصل وم: حيث قالوا.
[17318]:في الأصل وم: حيث.
[17319]:أدرج بعدها في الأصل وم: حين قالوا.
[17320]:ساقطة من الأصل وم.