تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَخُذۡ بِيَدِكَ ضِغۡثٗا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (44)

{ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } : اختلف في السبب الذي كان من أيوب عليه السلام الحلف بضرب امرأته . ولكن لسنا ندري ما السبب الذي حمله على الحلف بضربها ؟ ولا حاجة لنا إلى معرفة ذلك السبب . غير أنا نعلم أنه كان من المحلوف عليه معنى يستوجب بذلك الضرب حين حلف هو بالضرب ، وأمره الله عز وجل بالضرب .

ثم معلوم أن غضبه وحلفه لا يحتمل أن يكون لمنفعة نفسه ، ولكن لله عز وجل ثم الغضب لا يخرج الأنبياء عليهم السلام عن أيدي أنفسهم على من كان غضبه لنفسه .

ثم اختلف في قوله عز وجل : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } قال بعضهم : قضبان وأغصان ونحو ذلك لأيوب خاصة . وقال بعضهم : هو له وسائر الناس : أن من حلف أن يضرب كذا خشية أو سوطا ، فجمع قضبانا أو أغصانا ، فضرب بها ، بر في يمينه . وليس في الآية أنه ضرب به مرة أو مرارا حتى يخرج بضربه المرأة عن يمينه .

ثم الأصل عندنا أن من هم بضرب آخر كان بالضارب هيئة ، وأبدا يعرف أنه يريد الضرب ، فينجرد بالمضروب هيئة وأثر ، وهو التألم . فجائز أن يكون المراد به تلك الهيئة والأثر لا الضرب نفسه ، ليس في يمينه . وإن الأفضل فيها ترك الضرب والكفارة عن الحنث .

ثم أثنى الله عز وجل على أيوب عليه السلام فقال عز وجل : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا } بما ابتلاه الله فين نفسه وأهله وماله { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي راجع إليه عز وجل في جميع أحواله : في حال الشدة والبلاء وفي حال السعة والرخاء ، والله أعلم .

وقال أبو عوسجة : { اركض برجلك } أي اضرب بها الأرض ، وكذلك ركض دابتك ؛ إذا ضربتها برجلك تسرع وكذلك قال القتبي ؛ قال : والضغث ملء الكف من الحشيش وغيره ومن كل شيء ، وأضغاث جميع . وقال القتبي : الضغث الحزمة من الكلأ أو من العيدان وهو قريب من الأول ، وقال : المغتسل الماء ، وهو الغسول أيضا .

وقوله تعالى : { ولا تحنث } من الحنث . والحنث في الأصل الإثم ، وبرت يمينه إذا صدق فيها ، ووفى .