قوله تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا } أي لا يستويان . يشبه أن يكون ما ذكر من المثل لرجُلين هو مثل للبشر كله المسلمين والكافرين .
ثم يحتمل الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون ، أي يتشاكسون في نسبه ؛ أو يتشاكسون في المُلك فيه ؛ يقول كل هو لي ، أو في الملك في قوم يدّعي كل أن الملك له فيهم .
ولا يثبت لواحد منهم المُلك الذي يدّعي ليطلب هذا منه النفقة ، وما يجب على ذي المُلك من حقوق المُلك ، فيبقى ضائعا متحيِّرا وكذلك لا يثبت لأحد فيهم الملك لقيام التنازع بينهم ، فيبقون متحيّرين ضائعين لعدم من لا يسوسهم ، ويقوم بأمورهم .
وإن كان المُلك لرجل واحد أو النّسب سالما له يصل إلى كل ما هو حق له ، ويكون محفوظا في نفسه معروفا ، فيكون مثل الذي فيه شركاء متشاكسون ، هو الذي يعبد الشيطان أو الأصنام أو هوى النفس ؛ يدعوه كل شيطان إلى غير الذي دعاه الآخر ، وكذا الهوى يدعو صاحبه مرة إلى كذا ومرة إلى غير ذلك . فهو كالذي فيه شركاء متشاكسون ، يدّعيه هذا وهذا فيبقى متحيِّرا .
والذي يعبد الله الحق الذي تثبت ألوهيته بالحجج والآيات كالرجل السالم الواحد : يكون أبدا على حالة واحدة مطيعا له خالصا له .
وقوله تعالى : { هل يستويان مثلا } أي هل يستوي الرجل الذي يدّعي فيه شركاء متشاكسون والرجل الذي يكون لرجل واحد في ما ذكرنا ، أي هل يستويان .
وقال أهل التأويل : { هل يستويان } : من يعبد آلهة شتى مختلفة ، والذي يعبد ربا واحدا ، وهو المؤمن ، وقد رأوا أنهما قد استويا في هذه الدنيا ، وفي الحكمة التفريق بينهما ، وفيه دلالة البعث . وكذلك قالوا في قوله : { مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسميع هل يستويان } [ هود : 24 ] وقد استووا في هذه الدنيا . دل أن هناك دارا أخرى يفرّق بينهم ، إذ في الحكمة والعقل التفريق بينهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } ذكر الحمد على إثر ذلك يخرّج على وجهين :
أحدهما : أمرهم أن يحمدوا ربهم على ما خصّهم بالتوحيد من بين الكفار { بل أكثرهم لا يعلمون } توحيد ربهم .
والثاني : أمره أن يحمد ربه على ما جعله سالما خالصا لم يجعل { فيه شركاء متشاكسون } .
قال أبو عوسجة والقتبيّ : { فيه شركاء متشاكسون } أي مختلطون يتنازعون ، ويتناجون ، و : رجلا سالما : أي خالصا . ومن قرأ : { سَلَمًا لرجل } أراد سلِم إليه ، فهو سَلْمٌ وسِلْمٌ .
ثم قوله : { تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربهم } [ الزمر : 23 ] يحتمل الأنبياء منهم والخواصّ كقوله : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 } وجائز أن يكون أراد جميع المؤمنين . وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود : تقشعرّ منه جلود الذين يؤمنون بربهم ، ثم تطمئن جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله .
وفي حرف حفصة : ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله .
وقال بعضهم في قوله : { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب } [ الزمر : 24 ] يقول ، والله أعلم : ليس الضال الذي يتقي النار بوجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه ، ليسا بسواء على ما ذكرنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.