تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

[ سورة الفتح مدنية ]{[1]}

بسم الله الرحمن الرحيم

الآية 1

قوله تعالى : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } قال بعضهم : هو فتح مكة ، وقال بعضهم : هو صُلح الحُديبيّة الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة حين صدّوهم عن دخولهم مكة ، وحالوا بينه وبين زيارة البيت ، وكان له فيها ، أعني في قصة الحديبيّة أمران وآيتان ظاهرتان عظيمتان :

إحداهما{[19499]} : أنه أصابه ، ومن معه من أصحابه عطش ، فأتى بإناء ماء ، فنبع من ذلك الإناء من الماء مقدار ما شرب منه زُهاء ألف وخمس مائة حتى رُوُوا جميعا ، فتلك آية عظيمة على رسالته .

والثانية{[19500]} : أخبر بغَلَبة الروم الفارس ، وذلك علم غيب ، وكان كما ذكر ، وأخبر ، فدلّ أنه إنما علم ذلك بالله تعالى .

وقصة الحديبيّة : رُوي عن رجل ، يقال له : مُجمِع بن حارثة [ أنه ]{[19501]} قال : شهدت الحديبيّة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف عنها ، صار{[19502]} الناس يوجفون الأباعِر ، فقال بعض الناس لبعض : ما للناس ؟ قال : أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فخرجنا نوجِف مع الناس حتى وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كُراع الغميم [ وهو ]{[19503]} اسم موضع . فلما اجتمع إليه بعض ما يريد من الناس قرأ عليهم : { إنا فحنا لك فتحا مبينا } قال : قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوَ فتحٌ هو يا رسول الله ؟ قال : إي والذي نفسي بيده إنه لفتح ، قال : ثم قسّمت الحديبيّة على ثمانية عشر سهمًا ، وكان الجيش ألفا وخمس مائة .

وفي بعض الأخبار أنه الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ، ولم نر قتالا ، ولو رأينا{[19504]} لقاتلنا ، قال : فنزلت سورة الفتح ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر رضي الله عنه فأقرأها إياه ، فقال : يا رسول الله أفتحٌ هو ؟ قال نعم .

وعن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالحديبيّة ، فأنزل الله تعالى : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } فقال رجل : أفتحُ هو ؟ قال نعم .

وعن جابر أنه قال : ما كنا نعدّ الفتح إلا يوم الحديبيّة ، وكذلك رُوي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : نزلت هذه الآية { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } بالحديبيّة .

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : لم يكن في الإسلام فتح أعظم من صُلح الحديبيّة ؛ وضعت الحرب أوزارها ، وأمِن الناس كلهم ، ودخل في الإسلام في السنتين أكثر مما كان دخل قُبيل ذلك . فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبيّة . . . وفي الحديث طول ، تركنا ذكره ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنا فتحنا لك /516-ب/ فتحا مبينا } يُخرَّج على وجوه ثلاثة :

أحدها : إنا قضينا ذلك قضاء بيِّنًا بالحجج والبراهين على رسالتك ونبوّتك ليُعلم أنك محقّ على ما تدعو ، صادق في قولك { ليغفر لك الله } بما أكرمك ، وعظّم أمرك بالرسالة والنبوّة ، أي أعطاك ذلك ، وأكرمك به { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخّر } .

والثاني : { إنا فتحا لك فتحا مبينا } ما لم يطمع أحد من الخلائق أنه يفتح عليك أمثال تلك الفتوح { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } .

والثالث : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } جميع أبواب الحكمة والعلوم وجميع أبواب الخيرات والحسنات { ليغفر لك الله } بما أكرمك من أبواب الحكمة والخيرات{[19505]} .


[1]:- في ط ع: سمح.
[19499]:في الأصل وم: أحدهما.
[19500]:في الأصل وم: والثاني.
[19501]:ساقطة من الأصل وم.
[19502]:في الأصل وم: إن.
[19503]:ساقطة من الأصل وم.
[19504]:في الأصل وم: نرى.
[19505]:أدرج بعدها في الأصل وم: يخرّج على هذه الوجوه الثالثة والله أعلم.