تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا} (12)

الآية 12 وقوله تعالى : { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا } فإن قيل : ما الذي حملهم على الظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين{[19546]} لا يرجعون إلى أهليهم أبدا إذا كان ذلك في خروجهم إلى الحُديبيّة على ما قال أهل التأويل : إن ذلك كان في حق خروجهم إلى الحُديبيّة ، وكان خروجهم للحج وقضاء المناسك لا للقتال والحرب معهم حتى يقع عندهم أنهم لا يرجعون ، بل يهلكون في ذلك ، وأهل مكة لم يكونوا يمنعون{[19547]} أحدا من أهل الإيمان [ من أن ]{[19548]} يدخل مكة للحجج وقضاء المناسك ؟

قيل : لأن [ أهل ]{[19549]} النفاق كانوا قد كتبوا إلى أهل مكة ، وأعلموهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم خرجوا إليكم [ لا ]{[19550]} للحج وزيارة البيت ، فقالوا : إنا لا ندعهم يدخلون مكة ، بل نقاتلهم ، ونحاربهم ، ولا نتركهم يدخلونها .

فإذا كان منهم ما ذكرنا فجائز أن يكونوا يظنوا ما ذكرنا من ظنّهم . فأما على غير ذلك فلا يُحتمل مع اجتماع أهل التأويل على أن ذلك كان في أمر الحُديبيّة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وظننتم ظن السّوء } أي ظننتم برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ظن السّوء أنهم لا يرجعون إلى أهليهم .

ويحتمل : ظننتم بالله ظنّ السّوء أنه لا ينصُر رسوله ، ولا يُعينه .

وقوله تعالى : { وكنتم قوما بورًا } قال بعضهم : { بورا } أي هلكى ، أي تصيرون قوما هلكى ؛ فيه دليل أنهم يموتون على نفاقهم .

وقال الحسن : { وكنتم قوما بورًا } أي فاسدين{[19551]} لا خير فيكم{[19552]} . وكذلك يقول ابن عباس رضي الله عنه : إن البور هو الفاسد . وقال بعضهم : البُورُ في كلام العرب : لا شيء ، وقال القتبيّ : البور الهلكى .


[19546]:في الأصل وم: والمؤمنون.
[19547]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: يتبعون.
[19548]:ساقطة من الأصل وم.
[19549]:من م، ساقطة من الأصل.
[19550]:ساقطة من الأصل وم.
[19551]:في الأصل وم: فاسدون.
[19552]:في الأصل وم: فيهم.