تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (148)

الآية 148 وقوله تعالى : { واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدا } وقوله : { واتخذ قوم موسى } كيفية وصف اتخاذ العجل ما ذكر في سورة طه بقوله تعالى : { فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي } [ الآية : 88 ] الآية وصف الله عز وجل ، قوم موسى بعضهم بالهداية والعدالة واتّباع الحق بقوله : { ومن قوم موسى أمّة يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف : 159 ] ، وبعضهم وصفهم بالسفاهة وقلة الفهم والضعف في الدين بقولهم : { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } [ الأعراف : 138 ] .

[ وقوله تعالى ]{[8971]} ههنا { واتخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدا } اتخذوا العجل إلها عبدوه ، يذكر هذا ، والله أعلم ، لما لم يعرفوا نعم الله ، ولم يتفكروا في آياته وحججه ، يذكر هذا لنا لننظر في آياته وحججه وللتفكر في نعمه ، فتؤدي شكرها ، ونتدبر في آياته وحججه لنتّبعها ، ولا نضيّعها على ما ضيّع قوم موسى .

وقوله تعالى : { من بعده } أي من بعد مفارقة موسى قومه .

وقوله تعالى : { من حليّهم } وقال في موضع آخر : { أوزار من زينة القوم } [ طه : 87 ] وكانت تلك الحليّ عارية عندهم من قوم فرعون . بقوله : { أوزارا من زينة القوم } أضاف إلى فرعون ، وأضاف ههنا إلى قوم بقوله : { من حليّهم } دل أن العارية يجوز أن تنسب إلى المستعير .

وفيه{[8972]} دلالة أن من حلف ألا يدخل دار فلان ، فدخل دارا ، له عارية عنده ، يحنث .

وقوله تعالى : { عجلا جسدا } قال بعضهم : صورته كانت صورة عجل ، ولم يكن عجلا في خواره ، وقيل : الجسد ، هو الذي لا تدبير له ، ولا تمييز ، ولا بيان ، لكنه ذكر فيه هذا لما{[8973]} يحتاج إلى هذا ، وهو قوله تعالى : { ألم يروا أنه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلا } ولكنه كأنه قال { عجلا جسدا } يذكر سفههم أنهم عبدوا من لا تدبير له ، ولا كلام ، ولا سبب{[8974]} يعبّر به ، أو دعاء ، واختاروا إلهية من وصفه ما ذكر .

وقوله تعالى : { له خوار } قيل : إن السامريّ قد أخذ { قبضة من أثر الرسول } [ طه : 96 ] ، فألقى تلك القبضة في الحليّ [ التي ألقوها ]{[8975]} في النار ، فصار /186-ب/ شبه عجل له خوار .

وقال بعضهم : صاغ من حليّهم عجلا ، فنفخ فيه من تلك القبضة ، فخار خوارا . وقال بعضهم : إن السامريّ كان هيّأ ذلك العجل الذي اتخذه بحال حتى إذا مسه خار . وقال بعضهم : كان وضعه{[8976]} في مهب الريح ، فيدخل الريح في دبره ، ويخرج من فيه ، فعند ذلك يخور ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ألم يروا أنه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلا } وفي سورة طه { ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا } [ الآية : 89 ] ليس فيه أنه إن كان { لا يكلّمهم } أو { ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا } يجز{[8977]} أن يعبد ليعلم أن ذكر حظر الحكم في حال لا يوجب إباحة ذلك في حال أخرى .

وفيه أن امتناع العلة عن اطّرادها يوجب نقضها ، وإن كان اطّرادها في الابتداء في معلولاتها لم يدل على صحتها .

وفي قوله تعالى : { لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلا } [ وقوله تعالى ]{[8978]} : { ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا } ذكر سفههم لعبادتهم شيئا لا يملك { لهم ضرا ولا نفعا } .

وقوله تعالى : { اتخذوه } إلها عبدوه { وكانوا ظالمين } في عبادتهم العجل ؛ لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها .


[8971]:في الأصل وم: وقالوا.
[8972]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[8973]:في الأصل وم: ما لا.
[8974]:أدرج بعدها في الأصل وم: الذي.
[8975]:في الأصل وم: الذي ألقوه.
[8976]:في الأصل وم: وضع.
[8977]:في الأصل وم: يجوز.
[8978]:ساقطة من الأصل وم.