تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ} (138)

الآية 138 وقوله تعالى : { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر } دل هذا على أن لله في فعل العباد [ صنعا وفعلا حين ]{[8873]} أضاف ، ونسب المجاوزة إلى نفسه ، وهم الذين جاوزوا البحر . دل [ أنه له ]{[8874]} في فعلهم صنعا{[8875]} . وهذا ينقض على المعتزلة [ قولهم حين ]{[8876]} أنكروا خلق أفعال العباد ، وبالله المعونة والعصمة .

وقوله تعالى : { فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم } العكوف هو المقام والدوام . وقوله تعالى : { يعكفون على أصنام لهم } أي

وجدوهم{[8877]} عكوفا على عبادة الأصنام مقيمين على ذلك .

وقوله تعالى : { قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } يشبه أن يكون سؤالهم إلها يعبدونه لا على الكفر بربهم والتكذيب لرسوله ، ولكن لما لم يروا أنفسهم أهلا لعبادة الله والخدمة له لما رأوا في الشاهد أنه لا يخدم الملوك إلا الخواص لهم والمقرّبون إليهم ، ومن بعد منهم يخدم خواصّهم .

فعلى ذلك هؤلاء سألوا موسى إلها يعبدونه لما لم يروا أنفسهم أهلا لعبادة الله والخدمة له لتقرّبهم عبادة تلك الأصنام إلى الله . ويخرج ذلك مخرج التعظيم لله والتبجيل لا على الكفر وصرف العبادة عنه إلى غيره . وكذلك كان عادة العرب أنهم يعبدون الأصنام لتقرّبهم عبادتها إلى الله زلفى .

وكذلك ما ذكر في بعض القصة أن فرعون كان يتخذ لقومه أصناما يعبدونها لتقرّبهم عبادة تلك الأصنام إليه زلفى .

فعلى ذلك سؤال هؤلاء لموسى : { اجعل لنا إلها } والله أعلم . أو كان سؤالهم ذلك لما لم يروا في الشاهد أحدا يخدم إلا لحاجة تقع له إلى ذلك ، فرأوا أن الله يتعالى أن يعبد ، ويخدم للحاجة ؟ ويخدمون القادة والرسل ، ويعبدونهم لما رأوا [ أنهم ]{[8878]} ينالون من النعم وأنواع المنافع من الرؤساء والكبراء . لذلك كانوا يخدمونهم .

وأما أهل التوحيد فإنهم لا يرون العبادة لغير الله لأنه ما من أحد ، وإن بعدت{[8879]}منزلته ومحلّه ، إلا وآثار نعم الله عليه ظاهرة ، حتى عرف كل أحد /184-ب/ حتى لو بذل له جميع حطام الدنيا ، أو أوعد بكل أنواع الوعيد ليترك الدين الذي هو عليه ما ترك البتّة .

وفي أمر موسى ، صلوات الله عليه ، خصلتان :

إحداهما : أن يعلم أن كيف يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟ وكيف يعامل مرتكب الفسق والمنكر{[8880]} على ما عامل موسى قومه باللين والشفقة ، وإن [ كانوا يستقبلونه ]{[8881]} بالعظيم من الأمر والمناكير .

والثانية{[8882]} .

ويحتمل أن يكون سؤالهم إلها يعبدونه لما أهل الكفر قالوا لهم : إن الرسل هم الذين أمروهم بعبادة الأصنام كقوله تعالى { والله أمرنا بها } [ الأعراف : 28 ] فعلى ما قالوا : إن الرسل هم الذين أمروهم بذلك سألوا هم الذين أمروهم بذلك سألوا موسى أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة .


[8873]:في الأصل وم: صنع وفعل حيث.
[8874]:من م، في الأصل: انه.
[8875]:في الأصل وم: صنع.
[8876]:في الأصل وم: حيث.
[8877]:في الأصل وم: وجدهم.
[8878]:ساقطة من الأصل وم.
[8879]:في الأصل وم: بعد.
[8880]:أدرج بعدها في الأصل وم: يعامل.
[8881]:في الأصل وم: استقبلوه.
[8882]:ترك الناسخان في الأصل وم فراغا بعد هذه الكلمة، وأثبتا العبارة التالية: بياض في الأصل.