تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا} (7)

الآية 7 : وقوله تعالى : { وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم } . كقوله{[22172]} تعالى في موضع آخر : { ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود } إلى قوله : { فردوا أيديهم في أفواههم }[ إبراهيم : 9 ] فيجوز أن تكون هذه الآية في ما يدعون رؤساؤهم وأشرافهم والأجلّة منهم . فإذا دعوهم ردوا أيديهم في أفواه الأنبياء عليهم السلام وضربوهم على ما ذكر في الأخبار .

وأما الأتباع والمقلدون لهم كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم ، ويغطون وجوههم ورؤوسهم كي لا يسمعوا كلامه ، فيقع شيء منه{[22173]} في قلوبهم ، لما حذرهم رؤساؤهم من ذلك .

أو يكون هذا في طائفة منهم ، وهذا في طائفة ، إذا كان أيس من قوم ، وأقبل على آخرين ، فاختلفت معاملتهم معه على ما كان من أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : على تحقيق ما ذكرنا ليؤيسوه{[22174]} من الإجابة .

والثاني : جائز أن يكون على التمثيل ، فضرب مثلهم في تركهم الإجابة مثل من جعل أصابعه{[22175]} في أذنيه ، واستغشى ثيابه لئلا يسمع ، ولا يجيب ، وهو كقوله عز وجل : { فنبذوه وراء ظهورهم }[ آل عمران : 187 ] ولم يوجد منهم نبذ ، ولكنهم أعرضوا عنه إعراض من نبذه وراء ظهره . وكذلك قوله{[22176]} عز وجل : { فردوا أيديهم في أفواههم }[ إبراهيم : 9 ] على التمثيل ، وهو أنهم تركوا الإجابة/ 599 أ/ إلى ما دعوا إليه ترك إجابة{[22177]} الذي يرد يده في فيه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وأصروا } أي صاحوا في وجوه الأنبياء عليهم السلام ردا عليهم أو مغالبة في الدعاء كقوله تعالى : { والغوا فيه لعلكم تغلبون } [ فصلت : 26 ] .

وقوله تعالى : { واستكبروا استكبارا }أي استكبروا عن طاعة الله تعالى ، وامتنعوا عن الإجابة لرسوله عليه السلام .


[22172]:في الأصل و م: وقال.
[22173]:في الأصل و م: منها.
[22174]:في الأصل و م: ليؤيسهم.
[22175]:في الأصل و م: إصبعه.
[22176]:أدرج قبلها في الأصل و م: في.
[22177]:في الأصل و م: الإجابة من.