تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة نوح[ عليه السلام ]{[1]} مكية

الآية1 : قوله تعالى : { إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } في ذكر نبإ نوح عليه السلام ، دلالة رسالته وآية نبوته . إنما ذكرنا أن هذا لم يكن من علمه ولا علم قومه ، ولم يختلف النبي صلى الله عليه وسلم إلى من عنده علم به ، فتعلّمه منه ، فعلم أنه بالله تعالى علمه لا بأحد من خلقه ، فيكون فيه إلزام الحجة عليهم .

وفيه إعلام رسول الله عليه السلام ما لقي نوح عليه السلام/ 598 أن قومه ، ليصبّره بذلك على أذى قومه ؛ إذ السورة مكية .

ثم أمره بالإنذار ، ولم يذكر معه البشارة . فلذلك{[22139]} قال نوح عليه السلام : { قال يا قوم إني لكم نذير مبين } [ الآية : 2 ] ولم يقل بشير ، وقد كان بشيرا ونذيرا .

فجائز أن يكون اقتصر على ذكر النذارة لأن في ذكرها ذكر البشارة ؛ وذلك أنهم إذا استوجبوا العذاب ، إذا داوموا على ما هم فيه من الضلالة وعبادة غير الله تعالى ، فهم إذا انتهوا عن ذلك استوجبوا العفو ووقوع البشارة .

فإذا كان ذكر أحد الوجهين يقتضي ذكر الآخر اكتفى بذكر أحدهما عن ذكر الآخر .

وجائز أن يكون خص النذارة بالذكر لأن الحال كانت حال الإنذار ، لأنهم كانوا معرضين عن طاعة الله تعالى ومقبلين على عبادة غيره ، فكانوا مستوجبين للنذارة ، ولم يكونوا من أهل البشارة ، وإنما يصيرون من أهلها إذا انتهوا عما هم عليه ، فيكون قوله : { أنذر قومك }إن داوموا على ما هم عليه .

وفي هذا دلالة على أن المرء إذا أخذ غير طريق[ الهدى ]{[22140]} فالسبيل فيه أن يفسد مذهبه ، ثم إذا ظهر فساده عنده أمره{[22141]} باتباع سبيل الهدى ، وبين له الحجج والدلائل لينجح فيه ذلك ، ليس أن يحتج عليه بالحجج[ التي ]{[22142]} هي حجج مذهب الحق قبل أن يبين له فساد ما هو فيه ، فإن ذلك لا ينجح فيه ، ولا يدعوه إلى قبول الحق والتزامه . بل يبين له قبح ما هو فيه وفساد ما اعتقده .

فإذا أبان له ذلك[ فإنه ]{[22143]} يحتاج إلى أن يسأله عن سبيل الهدى فيه ليعرفه بالتعليم .

ثم الأصل أن الدنيا هي سبيل الآخرة ؛ والضلال سبيل يفضي بمن سلكه إلى العذاب الدائم . والهدى سبيل يفضي إلى الثواب الدائم .

فالنذارة ، هي تبيين ما تنتهي إليه عاقبة من يلزم الضلالة ، والبشارة هي تبيين ما تنتهي إليه عاقبة من يلزم الهدى . وإن شئت قلت : النذارة ، هي أن تبين عسر ما يحل به في العاقبة ، والبشارة ، هي أن تبينه بما يصير إليه في العاقبة من اليسر .

وقوله تعالى : { أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } دلالة أن حجته ، لا تلزم الخلق قبل أن يأتيهم النذير فلا يخافون نزول العذاب بهم قبل أن يأتيهم النذير .

دل أن الحجة لازمة عليهم ، وأن الله تعالى إن يعذبهم لتركهم التوحيد ، وإن لم يرسل إليهم الرسل فيكون تأويل قوله عز وجل : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }[ الإسراء : 15 ] على عذاب الاستئصال في الدنيا ، ليس على عذاب الآخرة ، والله أعلم .


[1]:- في ط ع: سمح.
[22139]:في الأصل و م: فكذلك.
[22140]:ساقطة من الأصل و م.
[22141]:في الأصل و م: أمر له.
[22142]:ساقطة من الأصل و م.
[22143]:ساقطة من الأصل و م.