تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (4)

الآية4 : وقوله تعالى : { يغفر لكم من ذنوبكم } إن صرفت قوله : { واتقوه } إلى اتقاء الشرك يرجع قوله : { يغفر لكم من ذنوبكم } إلى ما سلف من الذنوب في حالة الشرك كقوله عز وجل : { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف }[ الأنفال : 38 ] وإن صرفته على سائر وجوه المهالك رجع إلى السالف وإلى الآنف جميعا ، وهو كقوله تعالى : { إن الحسنات يذهبن السيئات } . [ هود : 114 ] فيكون قوله : { من } صلة ما ذكر أهل التفسير ، ومعناه : يغفر لكم ذنوبكم .

وجائز أن يكون قوله : { من } [ على ]{[22156]} التحقيق ، وليس على حق الصلة ، لأنه قد يكون من الذنوب [ ذنوب ]{[22157]} يؤاخذ بها بعد الإسلام ، وهي التي تكون بينه وبين الخلق من القصاص وغيره ؛ فالمأتم بالقتل ، وإن زال عنه بالتوبة ، فإن القصاص لا يرفع عنه .

وقوله تعالى : { ويؤخركم إلى أجل مسمى } فجائز أن يكون أولئك القوم كانوا يخافون على أنفسهم الإهلاك من قومهم بإيمانهم وإجابتهم لنوح عليه السلام فيخرج قوله : { ويؤخركم إلى أجل مسمى } مخرج الأمان لهم : أنهم بإيمانهم يبقون إلى الأجل الذي ضرب لهم ، لو لم يؤمنوا ؛ إذ يكون معناه : أنكم إن أسلمتم بقيتم إلى انقضاء أجلكم{[22158]} المسمى سالمين آمنين ، لا يتهيأ لعدوكم أن يمكروا بكم .

وقوله تعالى : { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون }كقوله{[22159]} في موضع آخر : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [ الأعراف : 34 ] .

وجائز أن يكون قوله : { لا يستأخرون } أي لا يتأخرون عن آجالهم ، أو لا يؤخرون بما يطلبون من التأخير ، فيكون في هذا إياس لهم أنهم لا يؤخرون إذا طلبوا التأخير .

قال تعالى : { وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين }[ المنافقون : 10 ] فأخبر جل جلاله أن الموت إذا أتاه طلب التأخير ليبدل ما طلب منه البدل قبل ذلك من التصدق والإيمان به ، فقطع عنهم طمعهم بقوله : { ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها }[ المنافقون : 11 ] وبقوله : { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }[ الأعراف : 34 ] وبقوله : { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر } .

وهذه الآية تنقض على المعتزلة قولهم{[22160]} ، لأنهم يقولون بأن رجلا لو جاء ، وقتل{[22161]} آخر ، فإنما قتله قبل انقضاء أجله ، والله تعالى يقول : { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }[ الأعراف : 34 ] .

والأصل أن الله تعالى إذا علم أنه يقتل ، فإنما يجعل انقضاء أجله بالقتل ليس بغيره ، لأنه لا يجوز أن يجعل انقضاء أجله بموته حتف أنفه ، ثم ينقض أصله بغير ذلك ، لأنه لو جاز هذا لأدّى ذلك إلى الجهل .

وقوله تعالى : { ولو كنتم تعلمون } أي لو كنتم تعلمون ما يحل بكم من الندامة عند انقضاء آجالكم لكنتم تبدلون للحال ما ارتد منكم لئلا يحل بكم العذاب ، أو يكون معنى قوله : { إن أجل الله إذا جاء } أي أجل العذاب إذا حل وقع ، لا محالة ، فلو علموا بوقوعه لا محالة لارتدعوا عنه .


[22156]:من م، ساقطة من الأصل.
[22157]:من م، ساقطة من الأصل.
[22158]:في الأصل: أجالهم، في م أجالكم.
[22159]:في الأصل و م: وقال.
[22160]:في الأصل: قوله.
[22161]:أدرج بعدها في الأصل و م: ليس بغيره.