تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ يُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمۡ يَوۡمٗا ثَقِيلٗا} (27)

الآية 27 : وقوله تعالى : { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا } حب العاجلة مما طبع[ عليه ]{[22903]} الخلائق لأن كل [ مخلوق ]{[22904]} طبع على حب الانتفاع والتمتع بالشيء ، فلا يلحقهم الذم بحب ما طبعوا عليه ، وأنشئوا . ولكن إنما يلحق الذم من أحب الدنيا ، واختارها ، وآثرها على غير الذي جعلت الدنيا [ له ]{[22905]} وأسست ؛ فالدنيا{[22906]} إنما أسست ، وجعلت ، ليكتسب بها نعيم الآخرة والحياة الدائمة اللذيذة .

فمن أحب لهذا ، فهو لا يلحقه بذلك ذم ولا تعيير ، ومن أحبها ، وآثرها لها ، واكتسبها لها ، فهو المذموم ، وأولئك كانوا مختلفين في ذلك ، لم يكونوا على فن واحد ، ومنهم من حمل حبه إياها على إنكار وحدانيته تعالى وألوهيته ، ومنهم من حمل حبه إياها على تكذيب الرسل والتعادي لهم ومكابرة الحق ، ومنهم من حمل حبه إياها على إنكار البعث والجزاء لما علموا ، ومنهم من حمل حبه الدنيا على التفريق بين الرسل : أنكروا بعضا[ وصدقوا بعضا ]{[22907]} وتولد من حبهم إياها ما ذكرنا ، فلحقهم الذم لذلك . ولذلك ما ذكر من الإنفاق في الدنيا حين{[22908]} قال : { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت }الآية[ آل عمران : 117 ] .

فمن أنفق في هذه الدنيا لها فتكون نفقته ما ذكر لأنه أنفق لغير ما جعلت له النفقة ، فكان ما ذكر .

فعلى ذلك من أحب الدنيا ، واختارها للدنيا لا لاكتساب ما ذكرنا من النعم اللذيذة الدائمة والحياة الباقية التي لا انقطاع لها ، كان على ما ذكر .

ثم إذا ذكرت الدنيا ذكرت الآخرة وراءها ، وإذا ذكرت الآخرة[ وذكر ]{[22909]} على إثر ذلك الإنسان ، قيل : أمامه ؛ لأن الإنسان مقبل إليها ، فتكون تلك أمامه وقدّامه .

وأما عند ذكر الآخرة{[22910]} قيل : وراءها ، لأنها تخلفها ، وكل من خلف آخر يكون بعده ووراءه ، لأنه يكون عند فوت الآخر ؛ لذلك كان ما ذكر .


[22903]:ساقطة من الأصل و م.
[22904]:ساقطة من الأصل و م.
[22905]:ساقطة من الأصل و م.
[22906]:من م، في الأصل: في الدنيا.
[22907]:من م، ساقطة من الأصل.
[22908]:في الأصل و م: حيث.
[22909]:من م، ساقطة من الأصل.
[22910]:في الأصل و م: الدنيا.