/ 620 – ب/ سورة المرسلات[ مكية ]{[1]}
الآيات 1و2و3و4و5 : قوله تعالى : { والمرسلات عرفا } { فالعاصفات عصفا } { والناشرات نشرا } { فالفارقات فرقا } { فالملقيات ذكرا } اختلفوا في تأويلها :
فمنهم من حمل تأويل[ هذا ]{[22922]} كله على الملائكة ، ومنهم من صرفها إلى الرياح[ ومنهم من صرف البعض إلى الرياح ]{[22923]} والبعض إلى الملائكة .
وجائز أن يجعل هذا كله في الرياح ، ويستقيم أن يصرف كله إلى الملائكة ، ويستقيم أن يجعل البعض في الملائكة والبعض في الرياح .
فإن كان في الرياح استقام القسم بها ، لأن من الرياح رياحا ، هنّ مبشرات برحمته سابقات للنعم إلى عباده كقوله تعالى : { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته }[ الروم : 46 ] .
ومن الرياح رياح ، هي منجيات ؛ قال الله تعالى : { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم }[ يونس : 22 ] فجعلها{[22924]} الله تعالى سببا لتسيير السفن في البحار كما جعل الماء سببا لذلك .
وجعل منها مهلكات مذكرات لقوته وسلطانه كما قال عز وجل : { فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم } الآية[ الإسراء : 69 ] فهي تميتهم ، وتهلكهم ، من غير أن يدركوه بأبصارهم ، وإن كانت الأبصار ، هي أول ما يقع بها درك الأشياء . ولو أراد أحد أن يعرف الوجه الذي له صارت المنجيات منجيات ، أو يعرف الوجه الذي له صارت الرياح مهلكات أو مبشرات لم يقف عليه .
فصارت الرياح مذكرات للنعم . وفي تذكير النعم إيجاب القول بالبعث وبكل ما يخبرهم[ به الرسل ]{[22925]} لأنهم كانوا ينكرون البعث ، ورأوا فيها من لطائف الحكمة وعجائب التدبير[ ما لا يبلغها تدبيرهم ]{[22926]} وحكمتهم ، علموا أن الأمر غير مقدر بعقولهم ولا بحكمتهم ، فيكون في ذكر ما ذكرنا إزاحة ما اعترض لهم{[22927]} من الشك والشبه في أمر البعث ، فأقسم بها ، جلّ جلاله ، على ما ذكرنا أن القسم جعل لتأكيد ما يقصد إليه باليمين .
فرجعنا إلى قوله تعالى : { والمرسلات عرفا } قيل : هي الرياح المبشرات ، سميت{ عرفا } لأن ما يأتي به من النعم معروف{[22928]} ، وقيل : العرف المتتابع وسمي عرف الفرس عرفا لتتابع بعض الشعر على بعض . فجائز أن يكون منصرفا إلى الرياح المبشرة .
وكذلك قوله تعالى : { عرفا } جائز أن يكون يحمل على الرياح ، لكن على الرياح المبشرات ، وهي الرياح السهلة الخفيفة ، لأن النشر مذكور في رياح الرحمة بقوله : { وهو الذي يرسل الرياح } نشرا{[22929]}{ بين يدي رحمته }[ الأعراف : 57 ] في بعض القراءات .
وقوله تعالى : { فالعاصفات عصفا } هي الرياح الشديدة التي تكسر الأشياء ، وتقصمها ، وهي التي ترسل للإهلاك كقوله تعالى : { فيرسل عليكم قاصفا من الريح }[ الإسراء : 69 ] .
وجائز أن يكون قوله تعالى : { والمرسلات عرفا } هي اسم الرياح التي لم يظهر أنها أرسلت للإهلاك{[22930]} أو للتبشير لأن الرياح التي ترسل للرحمة يظهر أثر رحمتها من ساعتها من إرسال السحاب وغير ذلك قبل أن تتتابع . وكذلك الرياح التي هي رياح إهلاك يظهر علم الإهلاك من ساعتها ، وهو أن تكون قاصفة شديدة قبل أن تتتابع .
وقوله تعالى : { فالفارقات فرقا } يحتمل الرياح أيضا ، وإنما سميت فارقات لأنها تفرق السحاب ، فيصير البعض في أفق ، والبعض في أفق آخر .
وقوله تعالى : { فالملقيات ذكرا } فجائز أن يصرف إلى الرياح ، وإلقاء ذكرها ما ذكرنا أنه يظهر بها النعم ، وتتذكر ، وتبين بها النجاة ، ويقع ببعضها الهلاك . فذلك إلقاء ذكرها ، والله أعلم .
وإن صرف الكل إلى الملائكة فيحتمل أيضا ؛ فقوله عز وجل : { والمرسلات عرفا } أي الملائكة الذين [ أرسلوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وقوله عز وجل : { فالعاصفات عصفا }أي الملائكة الذين ]{[22931]} يعصفون أرواح الكفار ، أي يأخذونها على شدة وغضب .
وقوله تعالى : { والناشرات نشرا } جائز أن يكون أريد بها النشرة{[22932]} من الملائكة ، سمّوا ناشرات لأنهم ينشرون الصحف ، ويقرؤونها . وجائز أن يراد بها الملائكة الذين يأخذون أرواح المؤمنين على لين ورفق .
وقوله تعالى : { فالفارقات فرقا } جائز أن يراد بها الملائكة ، وسميت فارقات لأنهم يفرقون بين الحق والباطل .
وقوله تعالى : { فالملقيات ذكرا } هم الملائكة الذين يلقون الذكر على ألسن الرسل عليهم السلام .
وإن صرف البعض إلى الملائكة والبعض إلى الرياح فمستقيم أيضا : فتكون المرسلات الذين أرسلوا بالمعروف والخير ، والعاصفات الريح الشديدة ، والناشرات الرياح الخفيفة السهلة ، { فالفارقات فرقا } { فالملقيات ذكرا } هم الملائكة .
ويحتمل وجها آخر : أن يراد بقوله : { والمرسلات } هم الرسل من البشر الذين بعثوا إلى الخلق ، فما من رسول بعث إلا وهو مرسل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وكذلك جائز أن يراد بقوله تعالى : { فالفارقات فرقا } { فالملقيات ذكرا } هم الرسل لأنهم يفرقون بين الحق والباطل ، ويلقون الذكر في مسامع الخلق .
وجائز أن يكون قوله : { والمرسلات عرفا } هي الكتب المنزلة من السماء لأنها أرسلت بالمعروف وكل أنواع الخير ، وكذا قوله : { والناشرات نشرا } للحق والهدى ، وكذا قوله تعالى : { فالفارقات فرقا } لأنها تفرق بين الحق والباطل أيضا ، وكذلك { فالملقيات ذكرا } فإنها سبب لذلك ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.