تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (30)

الآية 30 : وقوله تعالى : { وما تشاءون إلا أن يشاء الله } يقول ، والله أعلم : من شاء اتخاذ السبيل إلى ربه [ فلا يتخذه ]{[22914]} إلا أن يشاء الله أن يتخذ السبيل إلى ربه ، وعند ذلك يتخذ .

وهذا على المعتزلة لأنهم يقولون : إن الله تعالى قد شاء لجميع الخلائق أن يتخذوا إلى ربهم سبيلا ، لكنهم شاؤوا ألا يتخذوا إلى ربهم سبيلا ، فلم يتخذوا . وقد أخبر أنهم لا يشاؤون اتخاذ السبيل إليه ، ولا يتخذون إلا أن يشاء الله لهم اتخاذ السبيل . فعند ذلك يتخذون ما ذكر ، ويشاؤون .

وقوله تعالى : { إن الله كان عليما حكيما } إن الله تعالى لم يزل عليما بصنع خلقه من التكذيب له والتصديق من الطاعة والمعصية ، أي على علم منه بصنيعهم ؛ أنشأهم ، وخلقهم{ حكيما } في فعله ذلك وخلقه إياهم على ما علم منهم أن تكون الآية[ إلى من ]{[22915]} خلقهم ، وأنشأهم لمنافع أنفسهم ولحاجتهم لا لمنافع ترجع إليه أو لمضار تدفع عن نفسه .

فخلقه إياهم وبعثه الرسل إليهم على علم بما يكون من التكذيب والردّ ، لا يخرج فعله عن الحكمة والحق . بل يكون حكيما في ذلك .

وأما من يبعث الرسول في الشاهد إلى من يعلم أنه يكذبه ، ويرد رسالته وهديته ، ويستخف به ، [ وأنه سفيه ]{[22916]} ليس بحكيم{[22917]} ، لأنه إنما يرسل الرسل ، ويبعث هديته لمنافع تكون له{[22918]} ، فعلمه بما يكون منه سفه ، ليس بحكمة ، لذلك افترقا .


[22914]:في الأصل و م: لا يتخذ.
[22915]:في الأصل و م: إنما.
[22916]:في الأصل و م: سفه.
[22917]:في الأصل و م: بحكمة.
[22918]:في الأصل و م: للمرسل.