الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ يُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمۡ يَوۡمٗا ثَقِيلٗا} (27)

وقوله : { إِنَّ هَؤُلاء } يعني كُفَّارَ قريشٍ { يُحِبُّونَ العاجلة } يعني : الدنيا ، واعلمْ أَنَّ حُبَّ الدنيا رأسُ كل خطيئة ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ ، وازهد فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ " ، رواه ابن ماجه وغيره بأسانيدَ حَسَنَةٍ ، قال ابن الفاكهانيِّ : قال القاضي أبو الوليد ابن رشد : وأَمَّا الباعث على الزهد فخمسة أشياء :

أحدها : أنَّها فانية شاغلة للقلوب عن التفكر في أمر اللَّه تعالى .

والثاني : أَنَّها تنقص عند اللَّه درجات من ركن إليها .

والثالث : أَنَّ تركها قربة من اللَّه تعالى وعلُوُّ مرتبة عنده في درجات الآخرة .

والرابع : طول الحبس والوقوف في القيامة للحساب والسؤال عن شكر النعيم .

والخامس : رضوان اللَّه تعالى والأمن من سخطه ، وهو أكبرها ؛ قال اللَّه عز وجل : { ورضوان مِّنَ الله أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] قال ابن الفاكهاني : ولو لم يكن في الزهد في الدنيا إلاَّ هذه الخصلة التي هي رضوانُ اللَّه تعالى لكان ذلك كافياً ، فنعوذ باللَّه من إيثار الدنيا على ذلك ، وقد قيل : من سُمِّيَ باسم الزهد فقد سُمِّيَ بألف اسم ممدوح ، هذا مع ما للزاهدين من راحة القلب والبدن في الدنيا والآخرة ، فالزُّهَّادُ هم الملوك في الحقيقة ، وهم العقلاء ؛ لإيثارهم الباقي على الفاني ، وقد قال الشافعية : لو أوصى لأعْقَل الناس صُرِفَ إلى الزهاد ، انتهى من «شرح الأربعين حديثاً » ، ولفظ أبي الحسن الماوردِيِّ : وقد قيل : العاقل مَنْ عقل من اللَّه أمره ونهيه حتَّى قال أصحاب الشافعيِّ فيمن أوصى بثلث ماله : لأَعْقَلِ الناس أَنَّه يكون مصروفاً للزُّهَّادِ ؛ لأنهم انقادوا للعقل ، ولم يغتروا بالأمل ، انتهى .