اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ يُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمۡ يَوۡمٗا ثَقِيلٗا} (27)

قوله تعالى : { إِنَّ هؤلاء يُحِبُّونَ العاجلة } . توبيخ وتقريع والمراد أهل «مكة » ، والعاجلة ، الدنيا .

واعلم أنه تعالى لما خاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بالتعظيم والأمر والنهي ، عدل إلى شرح أحوال الكفار والمتمردين ، فقال تعالى : { إِنَّ هؤلاء يُحِبُّونَ العاجلة } ، ومعناه : إن الذي حمل هؤلاء على الكفر والإعراض عما ينفعهم في الآخرة ، هو محبتهم اللذات العاجلة والراحات الدنيوية البدنية .

قوله : { وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ } ، أي : بين أيديهم ، وقال : «وَرَاءَهُم » ولم يقل : قُدَّامهم لأمور :

أحدها : أنهم لما أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه فكأنهم جعلوه وراء ظهورهم .

وثانيها : المراد : يذرون وراءهم مصالح يوم ثقيل ، أي عسير ، فأسقط المضاف .

وثالثها : أن «وراء » يستعمل بمعنى «قُدّام » ، كقوله تعالى : { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } [ إبراهيم : 16 ] { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } [ الكهف : 79 ] .

وقال مكي : سمّي «وراء » لتواريه عنك ، فظاهر هذا أنه حقيقة ، والصحيح أنه استعير ل «قُدّام » .

قوله : «يَوْماً » . مفعول ب «يَذَرُونَ » لا ظرف ، ووصفه بالثقل على المجاز ؛ لأنه من صفات الأعيان لا المعاني .

وقيل : معناه يتركون الإيمان بيوم القيامة .

وقيل : نزلت في اليهود فيما كتموه من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته ، وحبُّهم العاجلة : أخذهم الرّشا ما كتموه ، وقيل : أراد المنافقين لاستبطانهم الكفر وطلب الدنيا ، والآية تعُمّ ، واليوم الثقيل : يوم القيامة ، وسمي ثقيلاً لشدائده وأهواله وقيل : للقضاء فيه بين العباد .