الآيتان 13 و14 : وقوله تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم } { وإن الفجار لفي جحيم } قد ذكر أن البر أعطى ما طلب منه ما ذكر في قوله : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر } إلى قوله : { وأولئك هم المتقون } [ البقرة : 177 ] .
وفي هذه الآية دلالة على ما ذكرنا أن البر إذا ذكر دون التقوى اقتضى المعنى الذي يراد بالتقوى لأنه أخبر أن البر ، هو الإيمان بالله واليوم الآخر ، ثم ذكر أن الذي جمع بين هذه الأشياء ، هو المتقي .
ثم احتج المعتزلة بقولهم بالتخليد في النار لمن ارتكب الكبيرة بقوله تعالى : { وإن الفجار لفي جحيم } إلى قوله : { وما هم عنها بغائبين } لأن من ارتكب الكبيرة فاجر ، وقد قال{[23249]} الله تعالى : { وإن الفجار لفي جحيم } [ { وما هم عنها بغائبين } ]{[23250]} وزعموا أنه ما لم يأت بالشرائط [ التي ]{[23251]} ذكر في قوله : { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر } فهو غير داخل في قوله : { إن الأبرار لفي نعيم } .
والأصل عندنا ما ذكرنا أن كل وعيد مذكور مقابل الوعد فهو في أهل التكذيب [ لما ذكر من التكذيب ]{[23252]} عند التفسير بقوله : { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين } إلى قوله : { ويل يومئذ للمكذبين } [ المطففين : 7 إلى 10 ] وقال : { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون } إلى قوله : { فكنتم بها تكذبون } [ المؤمنون : 104 و 105 ] وإذا كان كذلك لم يجب قطع [ القول ]{[23253]} بالتخليد لمن ارتكب الكبيرة ، بل وجب القول بالوقف فيهم .
ثم إن الله تعالى جعل لأهل النار يوم البعث أعلاما ثلاثة ، بها يعرفون ، وتبين أنهم من أهل النار ، لم يجعل شيئا من تلك الأعلام في أهل السعادة :
أحدها : اسوداد الوجوه [ بقوله : { وتسود وجوه } [ آل عمران : 106 ] ]{[23254]} .
والثاني : بما يدفع إليهم كتابهم بشمالهم ومن وراء ظهورهم ، ويدفع إلى أهل الجنة كتبهم بأيمانهم .
والثالث : في أن تخف موازينهم ، وتثقل موازين أهل الحق .
فهذه أعلام أهل الشقاء ؛ وفي ما ذكر : اسوداد الوجوه قرن به التكذيب ؛ قال{[23255]} : { فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } [ آل عمران : 106 ] .
وفي ما ذكر دفع الكتاب بالشمال ومن وراء الظهور ؛ قال فيه : { فاسلكوه } { إنه كان لا يؤمن بالله العظيم } [ الحاقة : 32 و33 ] وقال : { وأما من أوتى كتابه وراء ظهره } إلى قوله عز وجل : { إنه ظن أن لن يحور } { بلى إن ربه كان به بصيرا } [ إلى قوله : { إلا الذين آمنوا } ]{[23256]} [ الانشقاق : 10 إلى 25 ] .
وقال تعالى عنه ما ذكر [ في خفه ]{[23257]} الميزان : { ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون } [ المؤمنون : 105 ] .
ولم يذكر شيئا{[23258]} من هذه الأعلام [ في ]{[23259]} غير المكذبين ، فثبت أن الوعيد في المكذبين لا في غيرهم . لذلك لم يسع لنا أن نشرك أهل الكبائر مع أهل التكذيب في استيجاب العقاب وقطع القول بالتخليد . بل وجب الوقف في حالهم والإرجاء في أمرهم .
وقد{[23260]} ذكر في مواضع الإيمان بالله تعالى أدنى مراتب أهل الإيمان ، ووعد عليه الجنة ، فقال : { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } [ الحديد : 19 ] وقال في موضع آخر : { وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله } [ الحديد : 21 ] وقال : { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد بينهم } الآية [ النساء : 152 ] فذكر في هذه الآيات التي تلوناها أدنى منازل أهل الإيمان ، ووعد عليها الجنة بقوله : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق } الآية [ العصر : 3 ] وقوله{[23261]} : { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر } الآية [ البقرة : 177 ] .
فجائز أن يكون ذكر الجميع على المبالغة لا على جعله شرطا ، فيجب القول باستيجاب الوعد بأدنى مراتبه على ما ذكر في الآيات الأخر .
وجائز أن يكون [ ذكر ]{[23262]} الجميع في ما ذكر فيه { ورسله } الإيمان بالله ورسله مضمرا{[23263]} ، أو يكون ذكر طرف منه على الإيجاز .
ألا ترى أنه ذكر الكفر في بعض المواضع ، وأوعد عليه النار ، وذكر بعض المواضع الكفر مع أسباب أخر ، وأوعد عليه النار بعد ذلك بقوله : { إن الذين يكفرونه بآيات الله ويقتلون النبئين بغير حق } الآية [ آل عمران : 21 ] وقوله{[23264]} في موضع آخر : { قالوا لم نك من المصلين } { ولم نك نطعم المسكين } ؟ [ المدثر : 43 و44 ] .
ثم لم يعد جميع ما ذكر من السيئات مع الكفر شرطا ، بل أوجب القول بالتخليد لمن اقتصر على الكفر خاصة ، فثبت أن ليس في ذكر المبالغة دلالة جعل المبالغة شرطا ، بل جائز أن يستوجب الوعيد بدونه ؟ ، فلذلك لم يقطع القول في أصحاب الكبائر بالتخليد في النار ولا بأنهم مستوجبون للوعد ، بل قيل فيهم بالإرجاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.