تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ} (6)

الآية 6 : وقوله تعالى : { يا أيها الإنسان ما غرّك/ 629 – ب/ بربك الكريم } يحتمل من ربك ، فيكون تأويله أي شيء غرك من ربك الكريم حتى اغتررت به ، واغتراره بربه{[23231]} الإعراض عن طاعته وعبادته ، وقد تستعمل الباء في موضع من ، قال الله تعالى : { عينا يشرب بها عباد الله }[ الإنسان : 6 ] ومعناه : يشرب منها ، لا أن يشرب{[23232]} منها كرعا ، أو يجعل العين آنية لهم .

ثم وجه الجواب للمغتر بالله تعالى في قوله عز وجل : { ما غرك بربك الكريم } وهو أن كرمه دعا الإنسان إلى ركوب المعاصي لأنه لم يأخذه بالعقوبة وقت جريمته ، فتجاوز عنه ، أو تأخيره العقوبة حمله على الاغترار ؛ إذ ظن أنه يعفى عنه أبدا [ لذلك أقدم ]{[23233]} عليها ، وإلا لو حلت به العقوبة وقت ارتكاب المعصية لكان لا يتعاطى المعاصي ، ولا يرتكبها ، فعذره أن يقول : الذي حملني على الإغفال والاغترار كرمك أو حمقى كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عليه حين تلا هذه الآية : الحمق يا رب .

أو يكون قوله تعالى : { ما غرك بربك الكريم } أي أي شيء غرك حتى ادعيت على الله تعالى أنه أمرك باتباع آبائك ، أو تشهد عليه إذا ارتكبت الفحشاء أن الله تعالى أمرك به على ما قال : { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها } [ الأعراف : 28 ] ألم أبعث إليك الرسول ؟ ألم أنزل إليك الكتاب ، فيتبين لك ما أمرت به عما نهيت عنه ؟

وقيل : نزلت الآية في شأن كلدة [ بن أسيد الجمحي حين ]{[23234]} ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقبه الله تعالى ، فأسلم حمزة حمية لقومه ، فهم كلدة أن يضربه ثانيا ، فنزلت الآية : { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } ؟ [ حين لم يهلكك ]{[23235]} عند تناول رسول الله .

لكن لو كانت الآية فيه ، [ لكان كل ]{[23236]} الناس في معنى الخطاب على السواء ، والله أعلم .


[23231]:في الأصل وم: عن ربه.
[23232]:في الأصل وم: يشربوا.
[23233]:في الأصل وم: كذلك فأقدم.
[23234]:في الأصل وم: وقال.
[23235]:في الأصل ومّ: حيث لم تهلك.
[23236]:في الأصل وم: فكل.