تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ} (7)

الآية 7 : وقوله تعالى : { الذي خلقك فسواك فعدلك } ففي هذا التعريف المنة ليستأدي منه الشكر ، وفيه ذكر قوته وسلطانه حين{[23237]} قدر على تسويته في تلك الظلمات الثلاث التي لا ينتهي إليها تدبير البشر ، ولا يجري عليها سلطانهم ليهابوه ، ويحذروا مخالفته .

وفيه ذكر حكمته وعلمه ليعلموا أنهم لم يخلفوا عبثا ولا سدى ، لأن الذي بلغت حكمته ما ذكر من إنشائه في تلك الظلمات الثلاث من وجه ، لا يعرفه{[23238]} الخلق ، لا يجوز أن يخرج خلقه عبثا باطلا ، بل خلقهم ليأمرهم ، وينهاهم ، ويرسل إليهم الرسل ، وينزل عليهم الكتب ، فيلزمهم اتباعها ، ويعاقبهم إذا أعرضوا عنها ، وتركوا اتباعها .

وسنذكر وجه التسوية به في قوله : { الذي خلق فسوى } [ الأعلى : 2 ] أنه سواه على ما توجبه الحكمة ، أو سواه من وجه الدلالة على معرفة الصانع ، أو سواه في ما خلق له من اليدين والرجلين والسمع والبصر .

وقوله تعالى : { فعدلك } أي سواك ، ووجه التسوية أن جعل له يدين مستويتين ، لم يجعل إحداهما أطول من الأخرى ، وكذلك سوى بين رجليه ، وقرئ بالتخفيف والتشديد{[23239]} .

قال أبو عبيد : معنى قوله : { فعدلك } بالتخفيف أي أمالك ، وليس في ذكره كثير حكمة ، وأختار التشديد فيه .

وليس كما ذكر ، بل في ذكر هذا من الأعجوبة ما في ذكر الآية ؛ فقوله : { فعدلك } أي صرفك من حال إلى حال ؛ ووجه صرفه ، والله أعلم ، أنه كان في الأصل ماء مهينا في صلب الأب ، فصرف ذلك الماء إلى رحم الأم ، ثم أنشأه نطفة ، ثم صرفها إلى العلقة وإلى المضغة إلى إنشائه خلقا سويا . أو صرفه على ما عليه الحال من الصحة إلى السقم ومن السقم إلى البرء ، فيكون في ذكر هذا التعريف المنة والقدرة والحكمة كما في الأول ؛ ففيه أعظم الفوائد .


[23237]:في الأصل وم: حيث.
[23238]:في الأصل وم: يعرفها.
[23239]:انظر معجم القراءات القرآنية ج8/ 89.