تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

[ سورة المطففين وهي مكية ]{[1]}

الآية 1 : قوله تعالى : { ويل للمطففين } فوجه تغييرهم بالتطفيف وإلحاق الوعيد لمكانه ، وإن كانوا مستوجبين للوعيد ، وإن أوفوا المكيال ، ولم يطففوا فيه ، إذا كانوا جاحدين بالله تعالى ومكذبين بالبعث .

هو أن الكفرة لم يكونوا اعتقدوا الكفر بالله تعالى لتلذذ ، يقع لهم نفس الكفر ، ولا التزموه على التحسين لهم إياه ، وإنما أعرضوا عن الإيمان لحبهم الرئاسة ولمأكلة كانت لهم ، خافوا زوالها عنهم بالإسلام ، وزهدوا فيه لما يلزمهم بالإيمان مؤن ، واختاروا الكفر لئلا يلزمهم بالإيمان تحملها . فكان الذي يحملهم على الصد عن الإيمان وترك النظر في آيات الله تعالى وحججه ما ذكرنا ، فعيروا بالأفعال الدنيئة التي كانوا يتعاطونها في ما بينهم من التطفيف والهمز واللمز وتركهم إيتاء الزكاة بقوله عز وجل : { الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون } [ فصلت : 7 ] لينقلعوا عنها ، فيحملهم ذلك على النظر في القرآن والتدبر فيه ، وهو كما ذكرنا في القتال أن فيه ما يحملهم على الإيمان لأنهم كانوا يتزهدون عنه لحبهم الدنيا ؛ فإذا قوتلوا ضاقت عليهم الدنيا ، فبعثهم ذلك إلى الإيمان بالله تعالى وعلى النظر في آياته .

وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تلا هذه الآية على أهل المدينة{[23276]} تركوا التطفيف فلم يطففوا بعد ذلك . [ ابن ماجة 2223 ] .

قال أهل اللغة : التطفيف النقصان ؛ يقال : إناء طفّان إذا كان غير مملوء . وقال الزجاج : يقال : شيء طفيف أي يسير ، فسمي مطففا لما يسرق منه شيئا فشيئا في كل مكيال ، وهذا دلالة أن حرمة الربا عامة على أهل الأديان ، وفيه دلالة أن حرمة الربا ليست لمكان العاقدين ، وإنما هي حق على العاقدين لله تعالى ؛ وذلك أن الذي يكال له كان يأخذ ما يكال له على علم منه بتطفيف البائع ، ثم كان يرضى به ، ويتجاوز عن ذلك ، ومع ذلك لحقه{[23277]} التعبير بالتطفيف ، فدل أن حرمته ليست لمكان العاقدين ، ولكنها من حق الله تعالى .


[1]:- في ط ع: سمح.
[23276]:في الأصل وم: مكية.
[23277]:في الأصل وم: لحقهم.