تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَا يَظُنُّ أُوْلَـٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ} (4)

الآية 4 : وقوله تعالى : { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون } قال أكثر أهل التفسير : ألا يظن ؟ ألا يعلم ؟ وألا يتيقن ؟ .

وقال أبو بكر الأصم : ألا يظن بمعنى ألا يشك أولئك في البعث ؟ وهو محتمل لما ذكرنا لأن الشك يوجب الرهبة ، وارتفاعه يوجب الأمن .

ألا ترى أن المرء إذا أراد أن يسافر إلى مكان فأخبره إنسان أن في الطريق الذي يريد أن يسلك سرّاقا وقطّاع الطريق ، فإنه يترهب لذلك ، فيستعد له بما يدفع عن نفسه ضرر قطاع الطريق وضرر السارق ، وإن لم يتيقن أن المخبر صادق في مقالته ، ولا يتيقن أن السراق يتمكنون من الإضرار ؟ فكيف لا يشك هؤلاء بكون البعث بما يخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم ويقيم عليه الحجج ، وهذا أقل منازل الإخبار أن يورث شكا ؟

ثم الأصل أن حرف الشك عند استواء طرفي الداعيين ، الظن يستعمل عند اختلاف طرفي الداعيين ، وهو أن تغلب إحدى الدلالتين على الأخرى ، لذلك يستقيم الحكم والقول بأكثر الظن ، ولا يستقيم بأكثر الشك .

ثم الظن يتولد من البحث عن الأمر والنظر فيه . وإذا [ تدبره المرء ]{[23280]} فهو لا يزال يرتقي في الظن درجة درجة حتى ينتهي نهايته [ وهي ]{[23281]} بلوغ اليقين ودرك الصواب .

فلذلك جمل أهل التفسير تأويل الظن ههنا على اليقين والعلم : أن ذلك نهاية للظن ، وحمل أبو بكر على الشك لما ترتفع الشبهة كلها في ما كان طريق معرفته الاجتهاد . /631 – أ/ .

ومثال الظن ههنا الخوف الذي ذكرنا أنه قد يستعمل في موضع العلم لأن الخوف إذا بلغ غايته صار علما كالذي يهدد بالقتل أو بقطع عضو بشرب الخمر [ مدعيا ]{[23282]} أنه يباح له الشرب ، ويجعل كالمتيقن أنه به لا محالة لو امتنع عن الشرب لبلوغ الخوف نهايته ، وإن لم يكن في الحقيقة متيقنا ، لما يجوز أن يحصل به ما يمنعه من القتل ، فعلى ذلك الحكم في الظن .

وقوله تعالى : { أولئك أنهم مبعوثون } للحساب الذي يحصل عليهم ، فلا يجدون منه مخرجا ، فيتخلصون من العذاب ، ليس على ما يحصل عليه الحساب في الدنيا ، يجد [ المرء ]{[23283]} لنفسه الخلاص ووجه المخرج منه .


[23280]:في الأصل وم: تدبر.
[23281]:ساقطة من الأصل وم.
[23282]:ساقطة من الأصل وم.
[23283]:ساقطة من الأصل وم.