نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (25)

ولما ذكر حالها ، ذكر ثمرتها فقال : { تؤتي أكلها } أي ثمرتها بحسن أرضها ودوام ريّها{[44970]} { كل حين } على أحسن ما يكون من الإيتاء ، لأن علوها منعها من عفونات{[44971]} الأرض{[44972]} وقاذورات الأبنية ، فكانت ثمرتها نقية من شوائب الأدناس .

ولما كان الشيء لا يكمل إلا بكمال مربيه{[44973]} قال : { بإذن ربها } فهي{[44974]} بحيث لا يستجيز عاقل أن يتسبب في إفسادها ، ومن سعى في ذلك منعه أهل العقول ولو وصلوا إلى بذل النفوس ؛ روى البخاري في التفسير وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا{[44975]} ولا ولا{[44976]} [ . . . . ] ، تؤتي أكلها كل حين ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : فوقع في نفسي أنها النخلة ، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان ، فكرهت أن أتكلم ، فلما لم يقولوا شيئاً قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : هي النخلة ، فلما قمنا قلت لعمر :{[44977]} يا أبتاه{[44978]} ! والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة ، فقال{[44979]} : ما منعك أن تتكلم{[44980]} ؟ قال : لم أركم{[44981]} تكلمون{[44982]} فكرهت أن{[44983]} أتكلم ، قال عمر : لأن تكون{[44984]} قلتها أحب إلي من كذا وكذا " .

ثم نبه سبحانه على عظم هذا المثل ليقبل{[44985]} على تدبره{[44986]} ليعلم المراد منه فيلزم ، فقال : { ويضرب الله } أي الذي له الإحاطة الكاملة { الأمثال للناس } أي الذين يحتاجون إلى ذلك لاضطراب آرائهم ، لأن في ضربها زيادة إفهام وتصوير للمعاني ، لأن المعاني الصرفة إذا ذكر مناسبها{[44987]} من المحسوسات ارتسمت في الحس والخيال والوهم ، وتصورت فتركت هذه القوى{[44988]} المنازعة فيها ، فيحصل الفهم التام والوصول إلى المطلوب { لعلهم يتذكرون * } أي ليكون{[44989]} حالهم حال من يرجى له غاية التذكر - بما أشار إليه الإظهار ، فهذا مثل كلام الأولياء ، فكلمتهم الطيبة كلمة التوحيد التي لا أطيب منها ، وهي أصل كل سعادة راسخة في قلوبهم ، معرقة{[44990]} في كل عرق منهم أوجب إعراقها{[44991]} أن بسقت{[44992]} فروعها التي هي الأعمال الدينية من أعمال القلوب والجوارح ، فصارت كلما هزت{[44993]} اجتنى الهازّ ثمراتها التي لا نهاية لها ، عالماً بأنها من فتح مولاه لا صنع له فيها بوجه ، بل له سبحانه المن{[44994]} عليه في جميع ذلك وكما{[44995]} أن الشجرة لا تتم إلا بعرق راسخ وأصل قائم وفروع عالية ، فكذلك الإيمان لا يتم إلا{[44996]} بمعرفة القلب وقول اللسان وعمل الأركان ،


[44970]:من م، وفي الأصل و ظ ومسد: ربها.
[44971]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: عقوبات.
[44972]:زيد من ظ و م ومد.
[44973]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: مر به.
[44974]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فهو.
[44975]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[44976]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[44977]:من ظ و م ومد وصحيح البخاري، وفي الأصل: بتاه- كذا.
[44978]:من ظ و م ومد وصحيح البخاري، وفي الأصل: بتاه- كذا.
[44979]:في ظ: قال.
[44980]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: تتكلم.
[44981]:في ظ: لم أركما.
[44982]:من م ومد والصحيح، وفي الأصل و ظ: تتكلمون.
[44983]:زيد من ظ و م ومد والصحيح.
[44984]:من ظ و م ومد والصحيح، وفي الأصل: يكون.
[44985]:في ظ: يقبل.
[44986]:في ظ: تدبيره.
[44987]:من ظ و م، وفي الأصل ومد: مناسبتها.
[44988]:زيد من ظ و م ومد.
[44989]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فيكون.
[44990]:من م، وفي الأصل: مصرفة، وفي ظ ومد: معرفة.
[44991]:من ظ و م، وفي الأصل: غرافها، وفي مد: إغراقها.
[44992]:في ظ ومد: سبقت.
[44993]:زيد من ظ و م ومد.
[44994]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لمن.
[44995]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لما.
[44996]:زيد من ظ و م ومد.