قال في الكشاف { كلمة طيبة } نصب بمضمر أي جعل كلمة طيبة { كشجرة طيبة } وهو تفسير لقوله : { ضرب الله مثلاً } أو ضرب بمعنى جعل أي جعل الله كلمة طيبة مثلاً . ثم قال كشجرة طيبة أي هي كشجرة . وقال صاحب حل العقد : أظن أن الوجه أن يجعل قوله : { كلمة } عطف بيان ، وقوله : { كشجرة } مفعول ثانٍ . عن ابن عباس : الكلمة الطيبة هي قول لا إله إلا الله محمد رسول الله . والشجرة الطيبة شجرة في الجنة . وعن ابن عمر : هي النخلة . وقيل : الكلمة الطيبة كل كلمة حسنة كالتسبيحة والتحميدة والاستغفار والتوبة والدعوة . والشجرة كل شجرة مثمرة طيبة الثمار كالنخلة وشجرة التين والعنب والرمان وغير ذلك . وقيل : لا حاجة بنا إلى تعيين تلك الشجرة ، والمراد أن الشجرة الموصوفة ينبغي لكل عاقل يسعى في تحصيلها وادّخارها لنفسه سواء كان لها وجود في الدنيا أو لم يكن .
أما صفات الشجرة فالأولى كونها طيبة ويشمل طيب المنظر والشكل والرائحة وطيب الفاكهة المتولدة منها وطيب منافعها والثانية : { أصلها ثابت } راسخ آمن من الانقطاع . ولا شك أن الشيء الطيب إنما يكمل الفرح بحصوله إذا أمن انقراضه وزواله . والثالثة { وفرعها في السماء } أي في جهة العلو وهذا تأكيد لرسوخ أصله فإن الأصل كلما كان أقوى وأرسخ كان الفرع أعلى وأشمخ . ومن فوائد ارتفاع الأغصان بعدها عن عفونات الأرض ونقاؤها عن القاذورات . قال في الكشاف : فرعها أعلاها ورأسها ، ويجوز أن يريد وفروعها على الاكتفاء بلفظ الجنس . الصفة الرابعة { تؤتي أُكلها كل حين } أي تعطي ثمرها كل وقت وقَّته الله لأثمارها . وعن ابن عباس : الحين ستة أشهر لأن من حملها إلى صرامها ستة أشهر . وقال مجاهد وابن زيد : سنة لأن الشجرة من العام إلى العام تحمل الثمرة ولاسيما النخلة إذا تركوا عليها التمر بقي من السنة إلى السنة . وقال الزجاج : الحين الوقت طال أم قصر . والمراد أنه ينتفع بها في وقت يفرض ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاءً { بإذن ربها } بتيسير خالقها وتكوينه . قال المحققون : معرفة الله تعالى والاستغراق في محبته وطاعته هي الشجرة الطيبة بل لا طيب ولا لذيذ إلا هي ، لأن المدركات المحسوسة إنما تصير مدركة لملاقاة شيء من المحسوس شيئاً من الحاس . أما نور معرفة الله وإشراقها فإنما ينفذ ويسري في جميع جواهر النفس حتى إنه يكاد يتحد به . ثم إن سائر اللذات منقطعة متناهية ، ولذة المعرفة لا تكاد تنتهي إلى حد . وإن عروق هذه الشجرة ثابتة راسخة في جوهر النفس الناطقة ولها شعب وأغصان صاعدة في هواء العالم الروحاني يجمعها التعظيم لأمر الله ، ومنشؤها القوة النظرية ، وغايتها الحكمة العملية بأقسامها وأصولها وفروعها ، وأغصان نابتة في فضاء العالم الجسماني ومنبتها القوة العملية وفائدتها الحكمة الخلقية التي يجمعها الشفقة على خلق الله عموماً وخصوصاً . وأثر رسوخ شجرة المعرفة في القلب أن يكون نظره للاعتبار { فاعتبروا يا أولي الأبصار } [ الحشر : 2 ] وسمعه للحكمة { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه }
[ الزمر : 18 ] ونطقه بالصدق والصواب { وقولوا قولاً سديداً } [ الأحزاب : 70 ] وكذا الكلام في سائر القوى والأعضاء . وهنالك مراتب لا تكاد تنحصر بحسب مراتب الاستعدادات . وإذا صار جوهر النفس كاملاً بحسب هذه الفضائل فقد يكون مكملاً لغيره وذلك قوله :{ تؤتي أكلها كل حين } . وفي قوله : { بإذن ربها } إشارة إلى أن النظر في جميع هذه المراتب يجب أن يكون على المفيض لا على الفيض ، وعلى المنعم لا على النعمة . { ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون } المبدأ وعرفانه والمعاد وإتيانه فيختار الكمال على النقصان . وأثر العرفان للمعروف لا للعرفان فيكون حينئذ جوهر النفي كلمة طيبة كما قال في حق عيسى { كلمة من الله } [ آل عمران : 39 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.