غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (25)

18

قال في الكشاف { كلمة طيبة } نصب بمضمر أي جعل كلمة طيبة { كشجرة طيبة } وهو تفسير لقوله : { ضرب الله مثلاً } أو ضرب بمعنى جعل أي جعل الله كلمة طيبة مثلاً . ثم قال كشجرة طيبة أي هي كشجرة . وقال صاحب حل العقد : أظن أن الوجه أن يجعل قوله : { كلمة } عطف بيان ، وقوله : { كشجرة } مفعول ثانٍ . عن ابن عباس : الكلمة الطيبة هي قول لا إله إلا الله محمد رسول الله . والشجرة الطيبة شجرة في الجنة . وعن ابن عمر : هي النخلة . وقيل : الكلمة الطيبة كل كلمة حسنة كالتسبيحة والتحميدة والاستغفار والتوبة والدعوة . والشجرة كل شجرة مثمرة طيبة الثمار كالنخلة وشجرة التين والعنب والرمان وغير ذلك . وقيل : لا حاجة بنا إلى تعيين تلك الشجرة ، والمراد أن الشجرة الموصوفة ينبغي لكل عاقل يسعى في تحصيلها وادّخارها لنفسه سواء كان لها وجود في الدنيا أو لم يكن .

أما صفات الشجرة فالأولى كونها طيبة ويشمل طيب المنظر والشكل والرائحة وطيب الفاكهة المتولدة منها وطيب منافعها والثانية : { أصلها ثابت } راسخ آمن من الانقطاع . ولا شك أن الشيء الطيب إنما يكمل الفرح بحصوله إذا أمن انقراضه وزواله . والثالثة { وفرعها في السماء } أي في جهة العلو وهذا تأكيد لرسوخ أصله فإن الأصل كلما كان أقوى وأرسخ كان الفرع أعلى وأشمخ . ومن فوائد ارتفاع الأغصان بعدها عن عفونات الأرض ونقاؤها عن القاذورات . قال في الكشاف : فرعها أعلاها ورأسها ، ويجوز أن يريد وفروعها على الاكتفاء بلفظ الجنس . الصفة الرابعة { تؤتي أُكلها كل حين } أي تعطي ثمرها كل وقت وقَّته الله لأثمارها . وعن ابن عباس : الحين ستة أشهر لأن من حملها إلى صرامها ستة أشهر . وقال مجاهد وابن زيد : سنة لأن الشجرة من العام إلى العام تحمل الثمرة ولاسيما النخلة إذا تركوا عليها التمر بقي من السنة إلى السنة . وقال الزجاج : الحين الوقت طال أم قصر . والمراد أنه ينتفع بها في وقت يفرض ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاءً { بإذن ربها } بتيسير خالقها وتكوينه . قال المحققون : معرفة الله تعالى والاستغراق في محبته وطاعته هي الشجرة الطيبة بل لا طيب ولا لذيذ إلا هي ، لأن المدركات المحسوسة إنما تصير مدركة لملاقاة شيء من المحسوس شيئاً من الحاس . أما نور معرفة الله وإشراقها فإنما ينفذ ويسري في جميع جواهر النفس حتى إنه يكاد يتحد به . ثم إن سائر اللذات منقطعة متناهية ، ولذة المعرفة لا تكاد تنتهي إلى حد . وإن عروق هذه الشجرة ثابتة راسخة في جوهر النفس الناطقة ولها شعب وأغصان صاعدة في هواء العالم الروحاني يجمعها التعظيم لأمر الله ، ومنشؤها القوة النظرية ، وغايتها الحكمة العملية بأقسامها وأصولها وفروعها ، وأغصان نابتة في فضاء العالم الجسماني ومنبتها القوة العملية وفائدتها الحكمة الخلقية التي يجمعها الشفقة على خلق الله عموماً وخصوصاً . وأثر رسوخ شجرة المعرفة في القلب أن يكون نظره للاعتبار { فاعتبروا يا أولي الأبصار } [ الحشر : 2 ] وسمعه للحكمة { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه }

[ الزمر : 18 ] ونطقه بالصدق والصواب { وقولوا قولاً سديداً } [ الأحزاب : 70 ] وكذا الكلام في سائر القوى والأعضاء . وهنالك مراتب لا تكاد تنحصر بحسب مراتب الاستعدادات . وإذا صار جوهر النفس كاملاً بحسب هذه الفضائل فقد يكون مكملاً لغيره وذلك قوله :{ تؤتي أكلها كل حين } . وفي قوله : { بإذن ربها } إشارة إلى أن النظر في جميع هذه المراتب يجب أن يكون على المفيض لا على الفيض ، وعلى المنعم لا على النعمة . { ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون } المبدأ وعرفانه والمعاد وإتيانه فيختار الكمال على النقصان . وأثر العرفان للمعروف لا للعرفان فيكون حينئذ جوهر النفي كلمة طيبة كما قال في حق عيسى { كلمة من الله } [ آل عمران : 39 ] .

/خ34