فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (25)

{ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 25 ) } .

ثم وصفها سبحانه بأنها { تُؤْتِي أُكُلَهَا } أي ثمرها { كُلَّ حِينٍ } أي كل وقت والحين في اللغة : الوقت يطلق على القليل والكثير ، واختلفوا في مقداره كما سيأتي { بِإِذْنِ رَبِّهَا } أي بإرادته ومشيئته وأمره ، قيل وهي النخلة كذلك كلمة الإيمان ثابتة في قلب المؤمن وعمله يصعد إلى السماء وتناله بركته وثوابه كل وقت .

وأخرج أحمد وابن مردويه ، قال السيوطي بسند جيد عن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( هي التي لا تنقص ورقها النخلة ) .

وأخرج البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما لأصحابه : ( أي شجرة من الشجر لا يطرح ورقها مثل المؤمن ؟ قال فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في قلبي أنها النخلة فاستحييت حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي النخلة ) ؟{[1011]} وفي لفظ للبخاري ( أخبروني عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها وتؤتى أكلها كل حين ) فذكر نحوه{[1012]} .

وفي لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( هل تدرون ما الشجرة الطيبة ثم قال هي النخلة ) وروى نحو هذا جماعة من الصحابة والتابعين ، وقيل غيرها ؛ والمراد تؤتى أكلها كل ساعة من الساعات من ليل أو نهار ، في جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء وصيف ، قاله ابن عباس .

وقيل المراد في أوقات مختلفة من غير تعيين ، وقيل كل غدوة وعشية ، وقيل الحين هنا سنة كاملة لأن النخلة تثمر في كل سنة مرة ، وقيل كل شهر ، وقيل كل ستة أشهر قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة والحسن يعني من وقت طلعها إلى حين صرامها ، وقال علي بن أبي طالب ثمانية أشهر ، وقيل أربعة أشهر من حين ظهور حملها إلى إدراكها ، وقال سعيد بن المسيب شهران .

قال النحاس : وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة لأن الحين عند جميع أهل اللغة إلا من شذ منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره . وقد ورد الحين في بعض المواضع يراد به أكثر كقوله : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } وقد تقدم بيان أقوال العلماء في الحين في سورة البقرة . وقال الزجاج : الحين الوقت طال أم قصر .

عن ابن عباس في قوله تعالى : { تؤتى أكلها كل حين } قال يكون أخضر ثم يكون أصفر ، وعنه قال كل حين جداد النخل ، وقد روي عن جماعة من السلف في هذا أقوال كثيرة .

ووجه الحكمة في تمثيل الإيمان بالشجر على الإطلاق أن الشجرة لا تسمى شجرة إلا بثلاثة أشياء عرق راسخ وأصل ثابت وفرع نابت ، وكذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالأبدان والأركان وقيل غير ذلك ؛ وعن ابن عباس : الكلمة الطيبة شهادة أن لا إله إلا الله ثابت في القلب وفرعها في السماء يقول يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء ، وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين ومن بعدهم .

{ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أحوال المبدأ والمعاد .


[1011]:مسلم 2811 – البخاري 54.
[1012]:البخاري كتاب الأدب باب 89.