الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولقد ابتَلينا سليمان "وألقينا على كرسيه جسدا": شيطانا متمثلاً بإنسان...

وقوله: "ثُمّ أنابَ "سليمان، فرجع إلى مُلكه من بعد ما زال عنه مُلكه فذهب.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ولقد فتنا سليمان} على وجهين:

أحدهما: أنه امتحن بأمر فكان منه في ذلك زلة وغفلة فعوتب بما ذكر، وعوقب بنزع ملكه.

والثاني: أنه فتنه وامتحنه بنزع ملكه منه لا بزلة منه ولا عثرة، وصرفه إلى غيره لا بسبب كان منه وزلة وجعله لغيره، ثم إن كان ينزع الملك منه بأدنى سبب كان منه وزلة، فعوتب؛ فلأن الأنبياء صلوات الله عليهم، كانوا مخصوصين بالعتاب والتعبير بأدنى شيء يكون منهم مما يعد ذلك الذي كان منهم من أفضل الأعمال، ثم كان منهم من التوبة التضرع إلى الله عز وجل بالذي كان منهم؛ لما عرفوا لأنفسهم الخصوصية لهم من الكرامات والفضائل التي خصوا بها، فرأوا على أنفسهم بما أكرموا من أنواع الكرامات والفضائل التي خصوا هم بها من التوبة لله وفضل التضرع والابتهال إلى الله؛ لما رأوا ما ارتكبوا كفرانا له في ما أنعم عليهم وأحسن إليهم فضل تضرع وابتهال ما لا يلزم ذلك غيرهم في مثل ما كان منهم.

{وألقينا على كرسيه جسدا} يحتمل أن يكون كرسيه ملكه، فيكون ما ذكر كناية عن نزع ملكه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما ظهر بهذا ما له من ضخامة الملك وعز السلطان وكانت الأوبة عظيمة جداً، وكان الثبات على مقام الشهود مع حفظه من جميع جهاته أعظم، نبه عليه بقوله مؤكداً لما طبعت عليه النفوس من ظن أن الأواب لا ينبغي أن يواجه بالعتاب:

{ولقد فتنا} أي بما لنا من العظمة {سليمان} أي مع إسراعه بالرجوع إلى الله والتنبه لما فيه رضاه نوعاً من الفتنة، الله أعلم بحقيقتها، فأسفرت تلك الفتنة عن رسوخه في مقام الأوبة، فتنبه لما أردنا بها من تدريبه على ما أقمناه فيه كما فعلنا بأبيه داود عليهما السلام فاقتد بهما في الاستبصار بالبلاء، فإنا نريد بك أمراً عظيماً جليلاً شريفاً كريماً {وألقينا} بما لنا من العظمة.

{على كرسيه} الذي كانت تهابه أسود الفيل.

ولما كانت العبرة إنما هي بالمعاني، فمن كان معناه ناقصاً كان كأنه جسد لا روح فيه، له صورة بلا معنى، قال: {جسداً} فغلب على ذلك المكان الشريف مع ما كنا شرفناه به من هيبة النبوة المقرونة بالملك، بحيث لم يكن أحد يظن أن أحداً يقدر على أن يدنو إليه فضلاً عن أن يغلب عليه، فمكنا هذا الجسد منه تمكيناً لا كلفة عليه فيه، بل كان ذلك بحيث كأنه ألقى عليه بغير اختياره ليعلم أن الملك إنما هو لنا، نفعل ما نشاء بمن نشاء، فالسعادة لمن رجانا والويل لمن يأمن مكرنا فلا يخشانا، فعما قليل تصير هذه البلدة في قبضتك، وأهلها مع العزة والشقاق طوع مشيئتك، ويكون لك بذلك أمر لا يكون لأحد بعدك كما أنه ما كان لأحد كان قبلك، من نفوذ الأمر وضخامة العز وإحلال الساحة الحرام بقدر الحاجة، وسعة الملك وبقاء الذكر، والذي أنت فيه الآن ابتلاء واختبار وتدريب على ما يأتي من الأمور الكبار.

ولما كان المراد بإطلاق الجسد عليه التعريف بأنه لا معنى له لا أنه لا روح فيه، أطلقه ولم يتبعه ما يبين أنه جماد.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 31]

والإشارتان الواردتان هنا عن الصافنات الجياد وهي الخيل الكريمة. وعن الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان.. كلتاهما إشارتان لم تسترح نفسي لأي تفسير أو رواية مما احتوته التفاسير والروايات عنهما. فهي إما إسرائيليات منكرة، وإما تأويلات لا سند لها. ولم أستطع أن أتصور طبيعة الحادثين تصوراً يطمئن إليه قلبي، فأصوره هنا وأحكيه. ولم أجد أثراً صحيحاً أركن إليه في تفسيرهما وتصويرهما سوى حديث صحيح. صحيح في ذاته ولكن علاقته بأحد هذين الحادثين ليست أكيدة. هذا الحديث هو ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأخرجه البخاري في صحيحه مرفوعاً. ونصه: قال سليمان: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن فلم يحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفسي بيده، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون.. وجائز أن تكون هذه هي الفتنة التي تشير إليها الآيات هنا، وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق. ولكن هذا مجرد احتمال.. أما قصة الخيل فقيل: إن سليمان -عليه السلام- استعرض خيلاً له بالعشي. ففاتته صلاة كان يصليها قبل الغروب. فقال ردوها عليّ. فردوها عليه فجعل يضرب أعناقها وسيقانها جزاء ما شغلته عن ذكر ربه. ورواية أخرى أنه إنما جعل يمسح سوقها وأعناقها إكراماً لها لأنها كانت خيلاً في سبيل الله.. وكلتا الروايتين لا دليل عليها. ويصعب الجزم بشيء عنها.

ومن ثم لا يستطيع متثبت أن يقول شيئاً عن تفصيل هذين الحادثين المشار إليهما في القرآن.

وكل ما نخرج به هو أنه كان هناك ابتلاء من الله وفتنة لنبي الله سليمان -عليه السلام- في شأن يتعلق بتصرفاته في الملك والسلطان كما يبتلي الله انبياءه ليوجههم ويرشدهم، ويبعد خطاهم عن الزلل. وأن سليمان أناب إلى ربه ورجع، وطلب المغفرة؛ واتجه إلى الله بالدعاء والرجاء:

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

كذلك جاءت هذه الآيات مشيرة إلى فتنة عرضت لسليمان أعقبتها إنابة ثم أعقبتها إفاضة نعم عظيمة، فذكرت عقب ذكر قصة ما ناله من السهو عن عبادته وهو دون الفتنة.

الفَتن والفتون والفتنة: اضطراب الحال الشديد الذي يظهر به مقدار صبر وثبات من يحلّ به.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

هذه الآيات تتحدّث عن أحداث أخرى من قصّة سليمان، وتبيّن أنّ الإنسان مهما امتلك من قوّة وقدرة فإنّها ليست منه، بل إنّ كلّ ما عنده هو من الله سبحانه وتعالى، هذا الموضوع يزيل حجب الغرور والغفلة عن عين الإنسان، ويجعله يشعر بصغر حجمه قياساً إلى هذا الكون...

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

{ ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } تفسير هذه الآية يختلف على حسب الاختلاف في قصتها ، وفي ذلك أربعة أقوال :

الأول : أن سليمان كان له خاتم ملكه وكان فيه اسم الله ، فكان ينزعه إذا دخل الخلاء توقيرا لاسم الله تعالى ، فنزعه يوما ودفعه إلى جارية فتمثل لها جني في صورة سليمان وطلب منها الخاتم فدفعته له ، روي : أن اسمه صخر فقعد على كرسي سليمان يأمر وينهى والناس يظنون أنه سليمان ، وخرج سليمان فارا بنفسه فأصابه الجوع فطلب حوتا ففتح بطنه فوجد فيه خاتمه ، وكان الجني قد رماه في البحر فلبس سليمان الخاتم وعاد إلى ملكه . ففتنة سليمان على هذا هي ما جرى له من سلب ملكه ، والجسد الذي ألقي على كرسيه هو الجني الذي قعد عليه وسماه جسدا ، لأنه تصور في صورة إنسان ، ومعنى أناب رجع إلى الله بالاستغفار والدعاء أو رجع إلى ملكه . والقول الثاني : أن سليمان كان له امرأة يحبها وكان أبوها ملكا كافرا قد قتله سليمان فسألته أن يضع لها صورة أبيها فأطاعها في ذلك فكانت تسجد للصورة ويسجد معها جواريها وصار صنما معبودا في داره وسليمان لا يعلم حتى مضت أربعون يوما ، فلما علم به كسره فالفتنة على هذا عمل الصورة ، والجسد هو الصورة .

والقول الثالث : أن سليمان كان له ولدا وكان يحبه حبا شديدا فقالت الجن إن عاش هذا الولد ورث ملك أبيه فبقينا في السخرة أبدا فلم يشعر إلا وولده ميت على كرسيه فالفتنة على هذا حبه الولد ، والجسد هو الولد لما مات وسُمّي جسدا لأنه جسد بلا روح .

القول الرابع : أنه قال : " لأطوفن الليلة على مائة امرأة تأتي كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله " ، ولم يقل إن شاء الله ، فلم تحمل إلا واحدة جاءت بشق إنسان فالفتنة على هذا كونه لم يقل إن شاء الله ، والجسد هو شق الإنسان الذي ولد له .

فأما القول الأول : فضعيف من طريق النقل مع أنه يبعد ما ذكر فيه من سلب ملك سليمان وتسليط الشياطين عليه .

وأما القول الثاني : فضعيف أيضا مع أنه يبعد أنه يعبد صنم في بيت نبي ، أو يأمر نبي بعمل صنم .

وأما القول الثالث : فضعيف أيضا .

وأما القول الرابع : فقد روي في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يذكر في الحديث أن ذلك تفسير الآية