فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

قوله : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان } أي ابتليناه واختبرناه . قال الواحدي : قال أكثر المفسرين : تزوّج سليمان امرأة من بنات الملوك ، فعبدت الصنم في داره ، ولم يعلم بذلك سليمان ، فامتحن بسبب غفلته عن ذلك . وقيل : إن سبب الفتنة : أنه تزوّج سليمان امرأة يقال لها : جرادة ، وكان يحبها حباً شديداً ، فاختصم إليه فريقان : أحدهما : من أهل جرادة ، فأحبّ أن يكون القضاء لهم ، ثم قضى بينهم بالحق . وقيل : إن السبب : أنه احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد . وقيل : إنه تزوّج جرادة هذه وهي مشركة ؛ لأنه عرض عليها الإسلام ، فقالت : اقتلني ، ولا أسلم . وقال كعب الأحبار : إنه لما ظلم الخيل بالقتل سلب ملكه . وقال الحسن : إنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض أو غيره . وقيل : إنه أمر أن لا يتزوّج امرأة إلا من بني إسرائيل ، فتزوّج امرأة من غيرهم . وقيل : إن سبب فتنته ما ثبت في الحديث الصحيح أنه قال : لأطوفنّ الليلة على تسعين امرأة تأتي كلّ واحدة بفارس يقاتل في سبيل الله ، ولم يقل : إن شاء الله . وقيل غير ذلك . ثم بيّن سبحانه ما عاقبه به ، فقال : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } انتصاب { جسداً } على أنه مفعول { ألقينا } ، وقيل : انتصابه على الحال على تأويله بالمشتق ، أي ضعيفاً ، أو فارغاً ، والأوّل أولى . قال أكثر المفسرين : هذا الجسد الذي ألقاه الله على كرسيّ سليمان هو شيطان اسمه : صخر ، وكان متمّرداً عليه غير داخل في طاعته ، ألقى الله شبه سليمان عليه ، وما زال يحتال حتى ظفر بخاتم سليمان ، وذلك عند دخول سليمان الكنيف ؛ لأنه كان يلقيه إذا دخل الكنيف ، فجاء صخر في صورة سليمان ، فأخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان ، فقعد على سرير سليمان ، وأقام أربعين يوماً على ملكه ، وسليمان هارب . وقال مجاهد : إن شيطاناً قال له سليمان : كيف تفتنون الناس ؟ قال : أرني خاتمك أخبرك ، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر ، فذهب ملكه ، وقعد الشيطان على كرسيه ، ومنعه الله نساء سليمان ، فلم يقربهنّ ، وكان سليمان يستطعم ، فيقول : أتعرفونني أطعموني ؟ فيكذبوه حتى أعطته امرأة يوماً حوتاً ، فشقّ بطنه ، فوجد خاتمه في بطنه ، فرجع إليه ملكه ، وهو معنى قوله : { ثُمَّ أَنَابَ } أي رجع إلى ملكه بعد أربعين يوماً . وقيل : معنى أناب : رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه ، وهذا هو الصواب . وتكون جملة : { قَالَ رَبّ اغفر لِي } بدلاً من جملة أناب ، وتفسيراً له .

/خ40