تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

قوله :{ ولقد فتنا سليمان } يعني بعدما ملك عشرين سنة ، ثم ملك أيضا بعد الفتنة عشرين سنة ، فذلك أربعين يقول : لقد ابتلينا سليمان أربعين يوما { وألقينا على كرسيه } يعني سريره { جسدا } يعني رجلا من الجن يقال له : صخر بن عفير بن عمرو بن شرحبيل ، ويقال : إن إبليس جده ، ويقال أيضا اسمه أسيد { ثم أناب } آية يقول : ثم رجع بعد أربعين يوما إلى ملكه وسلطانه ، وذلك أن سليمان غزا العمالقة ، فسبى من نسائهم ، وكانت فيهم ابنة ملكهم ، فاتخذها لنفسه فاشتاقت إلى أبيها ، وكان بها من الحسن والجمال حالا يوصف فحزنت وهزلت وتغيرت ، فأنكرها سليمان أن يتخذ لها شبه أبيها ، فاتخذ لها صنما على شبه أبيها ، فكانت تنظر إليه في كل ساعة ، فذهب عنها ما كانت تجد ، فكانت تكنس ذلك البيت وترشه ، حتى زين لها الشيطان فعبدت ذلك الصنم بغير علم سليمان لذلك ، وكانت لسليمان جارية من أوثق أهله عنده قد كان وكاها بخاتمه وكان سليمان لا يدخل الخلاء ، حتى يدفع خاتمه إلى تلك الجارية ، وإذا أتى بعض نسائه فعل ذلك ، وأن سليمان أراد ذات يوم أن يدخل الخلاء ، فجاء صخر فألقاه في البحر وجلس صخر في ملك سليمان ، وذهب عن سليمان البهاء ، والنور فخرج يدور في قرى بني إسرائيل ، فكلما أتى سليمان قوما رجموه وطردوه تعظيما لسليمان ، عليه السلام ، وكان سليمان إذا ليس خاتمه سجد له كل شيء يراه من الجن والشياطين وتظله الطير ، وكان خرج في ملكه في ذي القعدة ، وعشر ذي الحجة ، ورجع إلى ملكه يوم النحر .

وذلك قوله :{ ولقد فتنا سليمان } أربعين يوما { ثم أناب } يعني رجع إلى ملكه ، وذلك أنه أتى ساحل البحر ، فوجد صيادا يصيد السمك فتصدق منه ، فتصدق عليه بسمكة ، فشق بطنها ، فوجد الخاتم فلبسه ، فرجع إليه البهاء والنور ، وسجد له كل من رآه وهرب صخر ، فدخل البحر ، فبعث في طلبه الشياطين ، فلم يقدروا عليه حتى أشارت الشياطين على سليمان أن يتخذ على ساحل البحر ، كهيئة العين من الخمر ، وجعلت الشياطين تشرب من ذلك الخمر ويلهون ، فسمع صخر جلبتهم ، فخرج إليهم ، فقال لهم : ما هذا اللهو والطرب ، قالوا : مات سليمان بن داود وقد استرحنا منه ، فنحن نشرب ونلهو ، فقال لهم : وأنا أيضا أشرب وألهو معكم ، فلما شرب الخمر فسكر ، أخذوه وأوثقوه وأتى به سليمان ، فحفر له حجرا ، فأدخل فيه وأطبق عليه بحجر آخر ، وأذاب الرصاص ، فصب بين الحجرين وقذف به في البحر ، فهو فيه إلى اليوم .