غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

{ ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً } فالمحققون يروونه على وجوه : أحدها : أن سليمان ولد له ابن بعد أن ملك عشرين سنة فقالت الشياطين : إن عاش لم نتخلص من البلاء والتسخير فسبيلنا أن نقتله أو نخبله ، فعلم بذلك سليمان فأمر السحاب أن يحفظه ويغذوه خوفاً من مضرة الشياطين ، فما راعه إلا أن ألقي على كرسيه ميتاً فتنبه على خطئه في أن لم يتوكل فيه على ربه فاستغفر ربه وأناب . وثانيها روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن سليمان قال ذات ليلة : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة . وفي رواية على مائة وفي رواية على ألف- كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل : إن شاء الله . فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل . والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعين فذلك قوله { ولقد فتنا سليمان " وثالثها قال أبو مسلم : مرض سليمان مرضاً شديداً امتحنه الله به حتى صار جسداً على كرسيه ملقي كما جاء في الحديث " لحم على وضم وجسد بلا روح " لأن الجسد يطلق في الأكثر على ما لا روح له . { ثم أناب } أي رجع إلى حالة الصحة . والمشهور عند الجمهور أن الجسد الملقى على كرسيه كان شيطاناً جلس على سرير ملكه أربعين يوماً ، وذلك أن ملكه كان في خاتمة فأخذ شيطاناً يقال له آصف وقال : كيف تفتنون الناس ؟ قال : أرني خاتمك أخبرك . فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر فذهب ملكه وقعد آصف على كرسيه . وعن علي رضي الله عنه أنه قال : بينما سليمان جالس على شاطئ البحر وهو يعبث بخاتمه إذ سقط في البحر . وقيل : إنه وطئ امرأة في الحيض فذلك ذنبه . وقال في الكشاف : وغيره حكوا أن سليمان بلغه خبر صيدون وهي مدينة في بعض الجزائر وأن بها ملكاً عظيم الشأن . فخرج إليه تحمله الريح حتى أناخ بها جنوده من الجن والإنس فقتل ملكها وأصاب بنتاً له اسمها جرادة من أحسن الناس وجهاً ، فاصطفاها لنفسه وأسلمت وأحبها وكانت لا يرقأ دمعها حزنا على أبيها . فأمر الشياطين فمثلوا لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته وكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدون لها كعادتهن في ملكه ، فأخبر آصف سليمان بذلك فكسر الصورة وكانت له أم ولد يقال لها أمينة إذا دخل للطهارة أو لإصابة امرأة وضع خاتمه عندها ، فوضعه عندها يوماً فأتاها الشيطان صاحب البحر وهو الذي دل سليمان على الماس حين أمر ببناء بيت المقدس . واسمه صخر - على صورة سليمان فقال : يا أمينة أعطيني خاتمي فتختم به وجلس على كرسي سليمان وعكفت عليه الطير والجن والإنس . وغير سليمان عن هيئته فأتى أمينة لطلب الخاتم فأنكرته وطردته فعرف أن الخطيئة قد أدركته ، فكان يدور على البيوت يتكفف وإذا قال : أنا سليمان . حثوا عليه التراب وسبوه فمكث على ذلك أربعين يوماً عدد ما عبد الوثن في بيته . وكان ذلك الشيطان يقضي بين الناس ويتمكن من جميع ملكه إلا نساءه . وقيل : من جميع ملكه ونسائه وما يدع امرأة في دمها ولا يغتسل من جنابة ، فلما أراد الله أن يرد الملك إليه أنكر علماء بني إسرائيل قضية قضاها الشيطان فأحضروا التوراة ، فلما قرؤوها فرّ الشيطان وألقى الخاتم في البحر فابتلعته سمكة فصادها صائد ووهبها لسليمان وأعطاها على أجره عمله يوماً فأخرج من بطنها الخاتم { ثم أناب } أي رجع على ملكه أو ثاب ووقع ساجداً . ثم إن سليمان ظفر بالشيطان فجعله في تابوت وسده بالنحاس وألقاه في البحر . والعلماء المتقنون أبوا قبول هذه الرواية وقالوا : إنها من أباطيل اليهود ، والشياطين لا يتمكنون من مثل هذه الأفاعيل وإلا ارتفع الأمان عن الشرائع والأديان ، وكيف يسلطهم الله على آحاد عباده فضلاً عن أنبيائه حتى يغيروا أحكامهم ويفجروا بنسائهم . وأما اتخاذ التماثيل فيجوز أن تختلف فيه الشرائع والسجود للصورة إذا كان بغير إذنه فلا عتب عليه .

وحكى الثعلبي هذه القصة بوجه أقرب إلى القبول وهو أن سليمان لما افتتن بأخذ التمثال في بيته سقط الخاتم من يده فأخذه سليمان فأعاده إلى يده فسقط ، فلما رآه لا يثبت في اليد أيقن بالفتنة فقال له آصف : إنك لمفتون فتب إلى الله واشتغل بالعبادة وأنا أقوم مقامك إلى أن يتوب الله عليك . فقام آصف في ملكه أربعة عشر يوماً وهو الجسد الذي ألقي على كرسيه ، فردّ الله إليه ملكه وأثبت الخاتم في يده . وعن سعيد بن المسيب أن سليمان احتجب عن الناس ثلاثة أيام فأوحى الله إليه : يا سليمان احتجبت عن عبادي وما أنصفت مظلوماً عن ظالم ، ثم ذكر القصة وأخذ الشيطان الخاتم ورجوعه إليه .