ثم قال عز وجل : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان } ابتليناه { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } يعني : شيطاناً .
قال ابن عباس في رواية أبي صالح : إن سليمان أمر بأن لا يتزوج إلا من بني إسرائيل ، فتزوج امرأة من غير بني إسرائيل ، فعاقبه الله تعالى . فأخذ شيطان يقال له : صخر خاتمه ، وجلس على كرسيه أربعين يوماً ، وقد ذكرنا قصته في سورة البقرة { ثُمَّ أَنَابَ } يعني : رجع إلى ملكه ، وأقبل على طاعة الله تعالى . وقال الحسن في قوله تعالى : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال : شيطاناً . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : سألت كعباً عن قوله : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال : شيطاناً . يعني : أخذ خاتم سليمان الذي فيه ملكه ، فقذفه في البحر ، فوقع في بطن سمكة ، وانطلق سليمان يطوف ، فتصدق عليه بسمكة ، فشواها ليأكل ، فإذا فيها خاتمه . وقال وهب بن منبه : إن سليمان تزوج امرأة من أهل الكتاب ، وكان لها عبد ، فطلبت منه أن يجزرها لعبدها . يعني : ينحر الجزور فأجزرها ، فكره ذلك منه ثم ابتلي بالجسد الذي ألقي على كرسيه . وروى معمر عن قتادة في قوله : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال : كان الشيطان جلس على كرسيه أربعين ليلة ، حتى ردّ الله تعالى إليه ملكه . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال : شيطان يقال له صخر . قال له سليمان يوماً : كيف تفتنون الناس ؟ فقال له : أرني خاتمك أخبرك . فلما أعطاه إياه ، نبذه في البحر ، فذهب ملكه ، وقعد صخر على كرسيه ، ومنعه الله تعالى نساء سليمان ، فلم يقربهن ، فأنكرته أم سليمان ، أهو سليمان أم آصف ؟ فكان يقول : أنا سليمان . فيكذبونه حتى أعطته امرأة يوماً حوتاً ، فوجد خاتمه في بطنه ، فرجع إليه ملكه ، ودخل صخر البحر فاراً . وذكر شهر بن حوشب نحو هذا ، وقال : لما جلس سليمان على سريره ، بعث في طلب صخر ، فأتي به ، فأمر به ، فقورت له صخرة ، وأدخله فيها ، ثم أطبق عليها ، وألقاه في البحر ، وقال : هذا سجنك إلى يوم القيامة . وقال بعضهم : هذا التفسير الذي قاله هؤلاء الذين ذكروا أنه شيطان لا يصح ، لأنه لا يجوز من الحكيم أن يسلط شيطاناً من الشياطين على أحكام المسلمين ، ويجلسه على كرسي نبي من الأنبياء عليهم السلام ولكن تأويل الآية والله أعلم : أن سليمان كان له ابن ، فجاء ملك الموت يوماً زائراً لسليمان ، فرآه ابنه فخافه ، وتغيّر لونه ، ومرض من هيبته ، فأمر سليمان عليه السلام الريح بأن تحمل ابنه فوق السحاب ليزول ذلك عنه ، فلما رفعته الريح فوق السحاب ، ودنا أجله ، فقبض ابنه ، وألقي على كرسيه فذلك قوله : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } يعني : ابنه الميت . قال : والدليل على ذلك أن الجسد في اللغة هو الميت الذي لا يأكل الطعام ، والشراب ، كالميت ونحوه .
وذكر أن سليمان جزع على ابنه ، إذ لم يكن له إلا ابن واحد ، فدخل عليه ملكان ، فقال أحدهما : إن هذا مشى في زرعي فأفسده . فقال له سليمان : لم مشيت في زرعه ؟ فقال : لأن هذا الرجل زرع في طريق الناس ، ولم أجد مسلكاً غير ذلك . فقال سليمان للآخر : لم زرعت في طريق الناس ، أما علمت أن الناس لا بد لهم من طريق يمشون فيه ؟ فقال لسليمان : صدقت . لم ولدت على طريق الموت أما علمت أن ممر الخلق على الموت ؟ ثم غابا عنه . فاستغفر سليمان فذلك قوله : { ثُمَّ أَنَابَ } يعني : تاب ورجع إلى طاعة الله عز وجل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.