بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

ثم قال عز وجل : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان } ابتليناه { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } يعني : شيطاناً .

قال ابن عباس في رواية أبي صالح : إن سليمان أمر بأن لا يتزوج إلا من بني إسرائيل ، فتزوج امرأة من غير بني إسرائيل ، فعاقبه الله تعالى . فأخذ شيطان يقال له : صخر خاتمه ، وجلس على كرسيه أربعين يوماً ، وقد ذكرنا قصته في سورة البقرة { ثُمَّ أَنَابَ } يعني : رجع إلى ملكه ، وأقبل على طاعة الله تعالى . وقال الحسن في قوله تعالى : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال : شيطاناً . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : سألت كعباً عن قوله : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال : شيطاناً . يعني : أخذ خاتم سليمان الذي فيه ملكه ، فقذفه في البحر ، فوقع في بطن سمكة ، وانطلق سليمان يطوف ، فتصدق عليه بسمكة ، فشواها ليأكل ، فإذا فيها خاتمه . وقال وهب بن منبه : إن سليمان تزوج امرأة من أهل الكتاب ، وكان لها عبد ، فطلبت منه أن يجزرها لعبدها . يعني : ينحر الجزور فأجزرها ، فكره ذلك منه ثم ابتلي بالجسد الذي ألقي على كرسيه . وروى معمر عن قتادة في قوله : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال : كان الشيطان جلس على كرسيه أربعين ليلة ، حتى ردّ الله تعالى إليه ملكه . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } قال : شيطان يقال له صخر . قال له سليمان يوماً : كيف تفتنون الناس ؟ فقال له : أرني خاتمك أخبرك . فلما أعطاه إياه ، نبذه في البحر ، فذهب ملكه ، وقعد صخر على كرسيه ، ومنعه الله تعالى نساء سليمان ، فلم يقربهن ، فأنكرته أم سليمان ، أهو سليمان أم آصف ؟ فكان يقول : أنا سليمان . فيكذبونه حتى أعطته امرأة يوماً حوتاً ، فوجد خاتمه في بطنه ، فرجع إليه ملكه ، ودخل صخر البحر فاراً . وذكر شهر بن حوشب نحو هذا ، وقال : لما جلس سليمان على سريره ، بعث في طلب صخر ، فأتي به ، فأمر به ، فقورت له صخرة ، وأدخله فيها ، ثم أطبق عليها ، وألقاه في البحر ، وقال : هذا سجنك إلى يوم القيامة . وقال بعضهم : هذا التفسير الذي قاله هؤلاء الذين ذكروا أنه شيطان لا يصح ، لأنه لا يجوز من الحكيم أن يسلط شيطاناً من الشياطين على أحكام المسلمين ، ويجلسه على كرسي نبي من الأنبياء عليهم السلام ولكن تأويل الآية والله أعلم : أن سليمان كان له ابن ، فجاء ملك الموت يوماً زائراً لسليمان ، فرآه ابنه فخافه ، وتغيّر لونه ، ومرض من هيبته ، فأمر سليمان عليه السلام الريح بأن تحمل ابنه فوق السحاب ليزول ذلك عنه ، فلما رفعته الريح فوق السحاب ، ودنا أجله ، فقبض ابنه ، وألقي على كرسيه فذلك قوله : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً } يعني : ابنه الميت . قال : والدليل على ذلك أن الجسد في اللغة هو الميت الذي لا يأكل الطعام ، والشراب ، كالميت ونحوه .

وذكر أن سليمان جزع على ابنه ، إذ لم يكن له إلا ابن واحد ، فدخل عليه ملكان ، فقال أحدهما : إن هذا مشى في زرعي فأفسده . فقال له سليمان : لم مشيت في زرعه ؟ فقال : لأن هذا الرجل زرع في طريق الناس ، ولم أجد مسلكاً غير ذلك . فقال سليمان للآخر : لم زرعت في طريق الناس ، أما علمت أن الناس لا بد لهم من طريق يمشون فيه ؟ فقال لسليمان : صدقت . لم ولدت على طريق الموت أما علمت أن ممر الخلق على الموت ؟ ثم غابا عنه . فاستغفر سليمان فذلك قوله : { ثُمَّ أَنَابَ } يعني : تاب ورجع إلى طاعة الله عز وجل .