وقوله تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان } : اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أن الناسَ قَدْ أَكْثَرُوا في قَصَصِ هذهِ الآيةِ بما لاَ يُوقَفُ على صِحَّتِه ، وحكى الثعلبي في بعض الروايات ؛ أنَّ سليمانَ عليه السلام لَما فُتِنَ ، سَقَطَ الخَاتَمُ مِنْ يَدِه ، وَكَانَ فِيه مُلْكُهُ ، فأعاده إلى يده ، فَسَقَطَ ؛ وأَيْقَنَ بالفتنة ، وأَنَّ آصِف بْنَ بَرْخِيَّا قال له : يا نبيَّ اللَّهِ ، إنَّكَ مَفْتُونٌ ؛ ولذلكَ لاَ يَتَمَاسَكُ الخَاتَمُ فِي يَدِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً ؛ فَفِرَّ إلى اللَّهِ تعالى تَائِباً مِنْ ذَنْبِكَ ، وَأَنَا أَقُومُ مَقَامَكَ في عَالَمِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى إلى أَنْ يَتُوبَ اللَّهُ تعالى عَلَيْكَ ، فَفَرَّ سُلَيْمَانُ هَارِباً إلى رَبِّهِ مُنْفَرِداً لِعِبَادَتِهِ ، وأَخَذَ آصِفُ الخَاتَمَ ، فَوَضَعَهُ في يدِه ، فَثَبَتَ ، وقيلَ : إن الجَسَدَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تعالى : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَداً } هُو آصِفُ كَاتِبُ سُلَيْمَانَ ، وهو الذي عندَه عِلْمٌ مِن الكتَابِ ، وأقام آصِفُ في ملكِ سليمانَ وعيالِهِ يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ الحسَنةِ ، ويَعْمَلُ بِعَمَلِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يوماً إلى أَنْ رَجَعَ سليمانُ إلى منزله تائِباً إلى اللَّه تعالى ، ورَدَّ اللَّه تعالى عليه مُلْكَهُ ، فأَقَامَ آصِفُ عن مجلسهِ ، وجَلَسَ سليمانُ على كُرْسِيِّهِ ، وأعادَ الخاتَمَ .
وقالَ سَعِيدُ بن المسيِِّب : إن سليمانَ بنَ دَاوُدَ عليهمَا السلامُ احتجب عنِ الناسِ ثلاثةَ أَيَّامٍ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ : أَنْ يا سُلَيْمَانُ ، احتجبت عنِ الناسِ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ ، فَلَمْ تَنْظُرْ في أمُورِ عِبَادِي ، ولم تُنْصِفْ مَظْلُوماً مِنْ ظَالِمٍ ، وذكر حديثَ الخاتم كما تقدَّم ، انتهى . وهذَا الذي نقلناه أشْبَهُ ما ذُكِرَ ، وأَقْرَبُ إلى الصَّوَابِ ؛ واللَّه أعلم .
وقال عِيَاضٌ : قوله تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان } معناه : ابتَلَيْنَاهُ ، وابتلاؤه : هُو مَا حُكِي في الصحيحِ أنه قال : " لأَطُوفَنَّ الليلةَ على مِائَةِ امرأة كُلُّهُنَّ يَأْتِينَ بِفَارِسٍ يُجِاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلَمْ يَقُلْ : ( إنْ شَاءَ اللَّهُ ) تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إلا امرأةٌ جاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ " ، الحديث . قال أصحابُ المعانِي : والشِّقُّ هو الجسدُ الذي أُلْقِيَ على كرسيه حين عُرِضَ عليه ؛ وهي كانتْ عقوبتُهُ ومحنته ، وقيل : بَلْ مَاتَ ، وألْقِيَ على كُرْسِيِّهِ مَيِّتاً ، وأما عَدَمُ استثْنَائِه ، فأحْسَنُ الأجوبةِ عنه ، ما رُوِيَ في الحديثِ الصحيح أَنَّهُ نَسِيَ أَنْ يَقُولَ : ( إنْ شَاءَ اللَّهُ ) ، ولاَ يَصِحُّ مَا نَقَلَهُ الإخباريُون من تَشَبُّه الشيطانِ به وتسَلُّطِهِ على مُلْكِهِ ، وتصرُّفِه في أمَّتِه ؛ لأن الشَيَاطِينَ لاَ يُسَلَّطُونَ على مِثْلِ هذا ، وقد عُصِمَ الأنبياءُ من مثله ، انتهى . ( ت ) : قالَ ابن العربي : { وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَداً } يَعني جسدَه لا أجْسَادَ الشَّيَاطينِ ؛ كما يقولُه الضعفاءُ ، انتهى من كتاب «تفسير الأفعال » له . قال ابنُ العربيِّ في «أحكامَه » : وما ذكره بعضُ المفسِّرينَ مِنْ أن الشيطان أخذَ خاتَمَهُ ، وجَلَسَ مجلسَه ، وحَكمَ الخَلْقَ على لسانِه قولٌ باطلٌ قَطْعاً ؛ لأن الشياطينَ لا يَتَصَوَّرُونَ بِصُوَرِ الأَنْبِيَاءِ ؛ ولا يُمَكَّنُونَ من ذلك ؛ حتى يظنَّ الناسُ أنَّهم مع نبيِّهم في حَقٍّ ، وهم مَعَ الشياطينِ في بَاطِلٍ ؛ ولو شاءَ ربُّكَ لوَهَبَ من المعرفةِ والدِّينِ لمنْ قَالَ هذا القولَ ما يَزَعُهُ عن ذِكْرِهِ ، ويَمْنَعُهُ مِن أَنْ يَسْطُرَهُ في دِيوَان من بعده ، انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.