الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا} (31)

قوله تعالى : { أَيْنَ مَا كُنتُ } : هذه شرطيةٌ . وجوابُها : إمَّا محذوفٌ مَدْلولٌ عليه بما تقدَّمَ ، أي : أينما كنتُ جَعَلني مباركاً ، وإمَّا متقدِّمٌ عند مَنْ يرى ذلك . ولا جائزٌ أن تكونَ استفهاميةً ؛ لأنه يلزمُ أَنْ يعملَ فيها ما قبلها ، وأسماءُ الاستفهامِ لها صدرُ الكلامِ ، فيتعيَّنُ أن تكونَ شرطيةً لأنها منحصرةٌ في هذين المعنيين .

قوله : " ما دُمْتُ " " ما " مصدريةٌ ظرفيةٌ وتقدُّمُ [ ما ] على " دام " شرطٌ في إعمالها . والتقدير : مدةَ دوامي حياً . ونقل ابن عطية عن عاصمٍ وجماعة أنهم قرؤوا " دُمْتُ " بضم الدال ، وعن ابن كثير وأبي عمرو وأهلِ المدينة " دِمت " بكسرها ، وهذا لم نَرَه لغيره وليس هو موجوداً في كتب القراءات المتواترة والشاذة التي بين أيدينا ، فيجوز أن يكون اطَّلَعَ عليه في مصحفٍ غريب . ولا شك أنَّ في " دام " لغتين ، يقال : دُمْتَ تَدُوْم ، وهي اللغةُ العالية ، ودِمْتَ تَدام كخِفْتَ تَخاف ، وهذا كما تقدم لك/ في مات يموت وماتَ يَمات .