غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا} (31)

16

ومعنى قوله : { مباركاً أينما كنت } نفاعاً حيثما كنت روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل معلماً للخير ، وضلال كثير من أهل الكتاب باختلافهم فيه لا يقدح في منصبه كما قيل :

عليّ نحت القوافي من معادنها *** وما عليّ إذا لم تفهم البقر

وهذه سنة الله في أنبيائه ورسله كلهم { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً } [ الفرقان : 31 ] يروى أن مريم سلمت عيسى إلى المكتب فقالت للمعلم . أدفعه إليك على أن لا تضربه فقال له : اكتب . فقال له : أي شيء أكتب ؟ فقال : اكتب " أبجد " فقال : لا أكتب شيئاً لا أدري . ثم قال : إن لم تعلم ما هو فأنا أعلمك . الألف من آلاء الله ، والباء من بهاء الله والجيم من جمال الله ، والدال من أداء الحق إلى الله . وقيل : البركة أصلها من بروك البعير والمعنى جعلني ثابتاً في دين الله مستقراً فيه . وقيل : البركة هي الزيادة والعلو فكأنه قال : جعلني في جميع الأشياء غالباً منجحاً إلى أن يكرمني الله بالرفع إلى السماء عن قتادة أنه رأته امرأة وهو يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص فقالت : طوبى لبطن حملتك وثدي أرضعت به . فقال عيسى عليه السلام مجيباً لها : طوبى لمن تلا كتاب الله واتبع ما فيه ولم يك جباراً شقياً .

{ وأوصاني بالصلاة والزكاة } أي بأدائهما إما في وقتهما المعين وهو وقت البلوغ ، وإما في الحال بناء على أنه كان مع صغره كامل العقل تام التركيب بحيث يقوى على أداء التكاليف ويؤيده قوله { ما دمت حياً } وقيل : الزكاة ههنا صدقة الفطر . وقيل : تطهير البدن البدن من دنس الآثام . وقيل : أوصاني بأن آمركم بهما .

/خ40

بب تهمتها وبسبب الغلو والتقصير في حق ابنها قلت : إن مريم القلب قالت يا ليتني مت عن اللذات الجمسية قبل هذا الوقت الذي فزت باللذات الحقيقية وكنت نسياً منسياً ، فإن الخمول راحة والشهرة آفة { فناداها } بلسان الحال من تحت تصرفها من آلات القوى { أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك } أي تحت تصرفك { سرياً } هو الغلام الموعود أو جدول الكشوف والعلوم الدينية { وهزي إليك بجذع النخلة } بالمداومة على الذكر { تساقط عليك رطباً جنياً } من المشاهدات والمكاشفات حالاً فحالاً { فكلي واشربي } من خوان الأفضال وبحر النوال من مادته " أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " { وقري عينا } بأنوار الجمال في حجرة الوصال { فأما ترين } من السوانح البشرية { أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } كما قيل الدنيا يوم ولنا فيه صوم أي الالتفات لغير الله . { فأتت به قومها } من عادة الجهال إنكار أحوال أهل الكمال . { يا أخت هرون } النفس المطمئنة أو الأمارة بناء على أن هارون كان صالحاً أو طالحاً { وكان أبوك } وهو الروح المفارق { إمرأ سوء وما كانت أمك } وهي القالب { بغياً } تستأنس إلى غير عالم الطبيعة التي خلقت لأجلها { فأشارت إليه } فيه أن هذا القوم هم أهل الإشارات { في المهد } مهد السر وذلك المتولد من نفخ الروح في مريم القالب ليس ابناً لله ولا محلاً له ولا نفسه . { فاختلف الأحزاب } فقوم عبدوا الله لأجله ، وقوم عبدوه طمعاً في جنته ، وقوم عبدوا الهوى وذلك قوله : { فويل للذين كفروا } { أسمع بهم } أي بأهل الله { وأبصر يوم يأتوننا } فإنهم بالله يسمعون وبه يبصرون .

*خ/