الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ} (42)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لا يأتيه الباطل من بين يديه}: لا يأتي القرآن بالتكذيب، بل يصدق هذا القرآن الكتب التي كانت قبله: التوراة، والإنجيل، والزبور.

{ولا} يأتيه الباطل {من خلفه}: لا يجيئه من بعده كتاب يبطله فيكذبه، بل هو {تنزيل} يعني وحي {من حكيم} في أمره {حميد} عند خلقه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"لا يأتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ" اختلف أهل التأويل في تأويله فقال بعضهم: معناه: لا يأتيه النكير من بين يديه ولا من خلفه...

وقال آخرون: معنى ذلك: لا يستطيع الشيطان أن ينقص منه حقا، ولا يزيد فيه باطلاً، قالوا: والباطل هو الشيطان.

وقوله: "مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ": من قِبَل الحقّ، "وَلا مِنْ خَلْفِهِ": من قِبلَ الباطل...

وقال آخرون: معناه: إن الباطل لا يطيق أن يزيد فيه شيئا من الحروف ولا ينقص منه شيئا منها...

وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: معناه: لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده، وتبديل شيء من معانيه عما هو به، وذلك هو الإتيان من بين يديه، ولا إلحاق ما ليس منه فيه، وذلك إتيانه من خلفه.

وقوله: "تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حِمِيدٍ "يقول تعالى ذكره: هو تنزيل من عندي ذي حكمة بتدبير عباده، وصرفهم فيما فيه مصالحهم، حميد يقول: محمود على نعمه عليهم بأياديه عندهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{تنزيل من حكيم حميد} الحكيم، هو الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره وحكمه.

والحميد هو الذي لا يلحقه الذّم في فعله، والله الموفّق...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} مثل كأن الباطل لا يتطرّق إليه ولا يجد إليه سبيلاً من جهة من الجهات حتى يصل إليه ويتعلق به.

فإن قلت: أما طعن فيه الطاعنون، وتأوّله المبطلون؟ قلت: بلى، ولكن الله قد تقدّم في حمايته عن تعلق الباطل به: بأن قيض قوماً عارضوهم بإبطال تأويلهم وإفساد أقاويلهم، فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقاً، ولا قول مبطل إلا مضمحلاً ونحوه قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} [الحجر: 9]...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان من معاني العزة أنه ممتنع بمتانة رصفه وجزالة نظمه وجلالة معانيه من أن يلحقه تغيير ما، بين ذلك بقوله: {لا يأتيه الباطل} أي البين البطلان إتيان غلبة فيصير أو شيء منه باطلاً بيّنا.

ولما كان المراد تعميم النفي لا نفي العموم، أدخل الجار فقال: {من بين يديه} أي من جهة الظاهر مثل ما أمر أخبر به عما كان قبله.

{ولا من خلفه} من جهة العلم الباطن مثل علم ما لم يشتهر من الكائن والآتي سواء كان حكماً أو خبراً؛ لأنه في غاية الحقية والصدق، والحاصل أنه لا يأتيه من جهة من الجهات؛ لأن ما قدام أوضح ما يكون، وما خلف أخفى ما يكون، فما بين ذلك من باب الأولى، فالعبارة كناية عن ذلك؛ لأن صفة الله لا وراء لها ولا أمام على الحقيقة، ومثل ذلك ليس وراء الله مرمى، ولا دون الله منتهى...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وأنى للباطل أن يدخل على هذا الكتاب. وهو صادر من الله الحق. يصدع بالحق ويتصل بالحق الذي تقوم عليه السماوات والأرض؟ وأنى يأتيه الباطل وهو عزيز محفوظ بأمر الله الذي تكفل بحفظه فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). والمتدبر لهذا القرآن يجد فيه ذلك الحق الذي نزل به، والذي نزل ليقره. يجده في روحه ويجده في نصه. يجده في بساطة ويسر. حقاً مطمئناً فطرياً، يخاطب أعماق الفطرة، ويطبعها ويؤثر فيها التأثير العجيب. وهو (تنزيل من حكيم حميد).. والحكمة ظاهرة في بنائه، وفي توجيهه، وفي طريقة نزوله، وفي علاجه للقلب البشري من أقصر طريق. والله الذي نزله خليق بالحمد. وفي القرآن ما يستجيش القلب لحمده الكثير...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الوصف الرابع: أنه لا يتطرقه الباطل ولا يخالطه صريحُه ولا ضمنيُّه، أي لا يشتمل على الباطل بحال. فمُثِّل ذلك بِ {من بين يديه ولا من خلفه}.

والمقصود استيعاب الجهات تمثيلاً لحال انتفاء الباطل عنه في ظاهره وفي تأويله بحال طرد المهاجم ليضر بشخص يأتيه من بين يديه فإن صدّه خاتله فأتاه من خلفه، وقد تقدم في قوله تعالى: {ثم لآتِيَنّهم من بين أيديهم ومن خلفهم} [الأعراف: 17].

فمعنى: {لا يأتِيهِ الباطل} لا يوجد فيه ولا يداخله، وليس المراد أنه لا يُدعَى عليه الباطل.

الوصف الخامس: أنه مشتمل على الحكمة وهي المعرفة الحقيقية لأنه تنزيل من حكيم، ولا يصدر عن الحكيم إلا الحكمة: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} [البقرة: 269] فإن كلام الحكيم يأتي محكماً متقناً رصيناً لا يشوبه الباطل.

الوصف السادس: أنه تنزيل من حميد، والحميد هو المحمود حمداً كثيراً، أي مستحقّ الحمد الكثير، فالكلام المنزل منه يستحق الحمد وإنما يحمد الكلام إذْ يكون دليلاً للخيرات وسائقاً إليها لا مطعن في لفظه ولا في معناه، فيحمده سامعه كثيراً لأنه يجده مجلبة للخير الكثير، ويحمد قائله لا محالة خلافاً للمشركين.

وفي إجراء هذه الأوصاف إيماء إلى حماقة الذين كفروا بهذا القرآن وسفاهة آرائهم إذ فرطوا فيه ففرطوا في أسباب فوزهم في الدنيا وفي الآخرة ولذلك جيء بجملة الحال من الكتاب عقب ذكر تكذيبهم إياه فقال: {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ} الآيات.