السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ} (42)

{ لا يأتيه الباطل } لأنه يمتنع منه بمتانة وصفه وجزالة نظمه وحلاوة معانيه فلا يلحقه تغيير { من بين يديه ولا من خلفه } أي : لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات لأن قدام أوضح ما يكون وخلف أخفى ما يكون فما بين ذلك من باب أولى ، والعبارة كناية عن ذلك لأن صفة الله تعالى لا وراء لها ولا أمام لها على الحقيقة ، ومثل ذلك ليس وراء الله تعالى مرمى ولا دونه منتهى ، وقال قتادة والسدي : الباطل هو الشيطان لا يستطيع أن يغيره أو يزيد فيه أو ينقص منه ، وقال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه ، وعلى هذا فمعنى الباطل الزيادة أو النقصان ، وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ولا يأتي بعده كتاب فيبطله ، ثم علل ذلك بقوله تعالى : { تنزيل } أي : بحسب التدريج لأجل المصالح { من حكيم } أي : بالغ الحكمة فهو يضع كل شيء منه في أتم محله من وقت النزول وسياق النظم { حميد } أي : بالغ الإحاطة بأوصاف الكمال من الحكمة وغيرها والتطهر والتقديس عن كل شائبة نقصِ يحمده كل خلقه بلسان حاله إن لم يحمده بلسان قاله ، فإن قيل : أما طعن فيه الطاعنون وتأوله المبطلون ؟ أجيب : بأن الله تعالى حماه عن تعلق الباطل به بأن قيض قوماً عارضوهم بإبطال تأويلهم وإفساد أقاويلهم ، فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقاً ولا قول مبطل إلا مضمحلاً ونحو هذا قوله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر : 9 ) .