البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ} (42)

{ لا يأتيه الباطل } من جعل خبر إن محذوفاً ، أو قوله : { أولئك ينادون } ، كانت هذه الجملة في موضع الصفة على ما اخترناه من أحد الوجهين تكون الجملة في موضع خبر إن ، والمعنى أن الباطل لا يتطرق إليه { من بين يديه ولا من خلفه } ، تمثيل : أي لا يجد الطعن سبيلاً إليه من جهة من الجهات ، فيتعلق به .

وأما ظهر من بعض الحمقى من الطعن على زعمهم ، ومن تأويل بعضهم له ، كالباطنية ، فقد رد عليهم علماء الإسلام وأظهروا حماقاتهم .

وقال قتادة : الباطل الشيطان ، واللفظ لا يخص الشيطان .

وقال ابن جبير والضحاك : { من بين يديه } : أي كتاب من قبله فيبطله ، ولا من بعده فيكون على هذا الباطل في معنى المبطل نحو : أورس النبات فهو وارس ، أي مورس ، أو يكون الباطل بمعنى المبطل مصدراً ، فيكون كالعافية .

وقيل : { من بين يديه } : أي قبل أن يتم نزوله ، { ولا من خلفه } : من بعد نزوله .

وقيل عكس هذا .

وقيل : { من بين يديه } : قبل أن ينزل ، لأن الأنبياء بشرت به ، فلم يقدر الشيطان أن يدحض ذلك ، { ولا من خلفه } : بعد أن أنزل .

وقال الطبري : { من بين يديه } : لا يقدر ذو باطل أن يكيده بتغيير ولا تبديل ، { ولا من خلفه } : لا يستطيع ذو باطل أن يلحد فيه .

{ تنزيل } : أي هو تنزيل ، { من حكيم } : أي حاكم أو محكم لمعانية ، { حميد } : محمود على ما أسدى لعباده من تنزيل هذا الكتاب وغيره من النعم .