قوله : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ } في خبرها ستةُ أوجه :
أحدها : أنه مذكور ، وهو قوله «أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ »{[48878]} وقد سئل بلال بنُ أبي بُرْدَة{[48879]} عن ذلك في مجلسه فقال : لا أجد لها معاداً ، فقال له أبو عمرو بن العلاء : إنه منك لقريب أولئك ينادون{[48880]} . وقد استبعد هذا من وجهين :
والثاني : تقدم من يصح الإشارة إليه بقوله : «أُولَئِكَ » وهو قوله : «وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ » واسم الإشارة يعود على أقرب مذكور{[48881]} .
الثاني : أنه محذوف لفهم المعنى فقدر{[48882]} : مُعَذَّبُونَ ، أو مُهْلَكُونَ ، أو مُعَانِدُونَ{[48883]} . وقال الكسائي : سد مسده ما تقدم من الكلام قبل «إنَّ » وهو قوله { أَفَمَن يلقى فِي النار }{[48884]} . يعني في الدلالة عليه ، والتقدير يُخلَّدُونَ في النار ، وقال البغوي : يَجَازَوْنَ بكُفْرِهِمْ{[48885]} . وسأل عيسى بن عمر عَمْرَو بن عبيدٍ عن ذلك فقال معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به{[48886]} ، فقدر الخبر من جنس الصِّلة . وفيه نظر من حيث اتّحاد الخبر والمُخبر عنه في المعنى من غير زيادة فائدة ، نحو : سيِّدُ الجارِية مَالِكُها{[48887]} .
الثالث : أن «إنَّ الَّذِينَ » الثانية بدل من «إِنَّ الَّذِين » الأولى المحكوم به على البدل محكوم به على المبدل منه فيلزم أن يكون الخبر { لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } وهو منتزع من كلام الزمخشري{[48888]} .
الرابع : أنَّ الخير قوله : { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ }
الرابع : أنَّ الخير قوله : { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } والعائد محذوف تقديره لا يأتيه الباطل منهم ، نحو : «السَّمْنُ منوان بِدرهَم » أي منوان منه أو يكون «أل » عوضاً من الضمير في رأي الكوفيين ، تقديره : «إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالِّكْرِ لاَ يَأتِيهِ بَاطِلُهُمْ » .
الخامس : أن الخبر قوله تعالى : { مَّا يُقَالُ لَكَ } والعائد محذوف أيضاً تقديره : إنَّ الَّذِين كَفَرُوا بالذِّكْرِ مَا يقال لك في شأنهم إلاَّ ما قد قيل للرسل من قبلك . وهذان الوجهان ذهب إليهما أن أبو حيَّان{[48878]} .
والسادس : قال بعض الكوفيين : إنه قوله : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ } وهذا غير متعقَّلٍ{[48879]} .
قوله : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } جملة حالية{[48880]} ، وقوله { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل } صفة «الكتاب» ، و«تَنْزِيلٌ» خبر مبتدأ محذوف ، أو صفة لكتاب على أنَّ «لاَ يأْتِيهِ» معترف أو صفة كما تقدم على رأي من يجوز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح{[48881]} ، وتقدم تحقيقه في المائدة . و«مِنْ حَكِيم» صفة «لتنزيل» أو متعلق به و«الباطل» اسم فاعل ، وقيل : مصدر كالعاصِفةِ والعاقِبةِ{[48882]} .
لما بلغ في تهديد المُلحدين في آيات القرآن أتبعه تعظيم القرآن فقال : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } قال الكلبي عن أبن عباس رضي الله عنهم{[48883]} : أي كريم على الله . وقال قتادة : أعزة الله تعالى لا يجد الباطل إليه سبيلا . قال قتادة والسدي : الباطل هو الشيطان لا يستطيع أن يغيره أو يزيل فيه أو ينقص منه{[48884]} . وقال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن يُنْقَصُ منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يُزَادُ فيه فيأتيه الباطل من خلفه{[48885]} ، وعلى هذا فمعنى الباطل هو الزيادة والنقصان . وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ، ولا يأتي بعده كتاب{[48886]} فيُبطلُهُ ( و ) قال الزمخشري هذا تمثيل والمقصود أن الباطل لا يتطرق إليه ولا يجد إليه سبيلاً من جهة من الجهات حين يصل إليه{[48887]} .
اعلم أنَّ لأبي مسلم الأصفهاني أن يحتج بهذه الآية على أنه لم يوجد النسخ فيه ؛ لأن النسخ إبطال ، فلو دخل النسخ فيه لكان قد أتاه الباطل من خلفه وهذا خلاف الآية .
ثم قال : { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } أي حكيم في جميع أفعاله حميد إلى جميع خلقه بسبب كثرة نعمه{[11]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.