اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ} (42)

قوله : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ } في خبرها ستةُ أوجه :

أحدها : أنه مذكور ، وهو قوله «أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ »{[48878]} وقد سئل بلال بنُ أبي بُرْدَة{[48879]} عن ذلك في مجلسه فقال : لا أجد لها معاداً ، فقال له أبو عمرو بن العلاء : إنه منك لقريب أولئك ينادون{[48880]} . وقد استبعد هذا من وجهين :

أحدهما : كثرة الفواصل .

والثاني : تقدم من يصح الإشارة إليه بقوله : «أُولَئِكَ » وهو قوله : «وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ » واسم الإشارة يعود على أقرب مذكور{[48881]} .

الثاني : أنه محذوف لفهم المعنى فقدر{[48882]} : مُعَذَّبُونَ ، أو مُهْلَكُونَ ، أو مُعَانِدُونَ{[48883]} . وقال الكسائي : سد مسده ما تقدم من الكلام قبل «إنَّ » وهو قوله { أَفَمَن يلقى فِي النار }{[48884]} . يعني في الدلالة عليه ، والتقدير يُخلَّدُونَ في النار ، وقال البغوي : يَجَازَوْنَ بكُفْرِهِمْ{[48885]} . وسأل عيسى بن عمر عَمْرَو بن عبيدٍ عن ذلك فقال معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به{[48886]} ، فقدر الخبر من جنس الصِّلة . وفيه نظر من حيث اتّحاد الخبر والمُخبر عنه في المعنى من غير زيادة فائدة ، نحو : سيِّدُ الجارِية مَالِكُها{[48887]} .

الثالث : أن «إنَّ الَّذِينَ » الثانية بدل من «إِنَّ الَّذِين » الأولى المحكوم به على البدل محكوم به على المبدل منه فيلزم أن يكون الخبر { لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } وهو منتزع من كلام الزمخشري{[48888]} .

الرابع : أنَّ الخير قوله : { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ }

الرابع : أنَّ الخير قوله : { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } والعائد محذوف تقديره لا يأتيه الباطل منهم ، نحو : «السَّمْنُ منوان بِدرهَم » أي منوان منه أو يكون «أل » عوضاً من الضمير في رأي الكوفيين ، تقديره : «إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالِّكْرِ لاَ يَأتِيهِ بَاطِلُهُمْ » .

الخامس : أن الخبر قوله تعالى : { مَّا يُقَالُ لَكَ } والعائد محذوف أيضاً تقديره : إنَّ الَّذِين كَفَرُوا بالذِّكْرِ مَا يقال لك في شأنهم إلاَّ ما قد قيل للرسل من قبلك . وهذان الوجهان ذهب إليهما أن أبو حيَّان{[48878]} .

والسادس : قال بعض الكوفيين : إنه قوله : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ } وهذا غير متعقَّلٍ{[48879]} .

قوله : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } جملة حالية{[48880]} ، وقوله { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل } صفة «الكتاب» ، و«تَنْزِيلٌ» خبر مبتدأ محذوف ، أو صفة لكتاب على أنَّ «لاَ يأْتِيهِ» معترف أو صفة كما تقدم على رأي من يجوز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح{[48881]} ، وتقدم تحقيقه في المائدة . و«مِنْ حَكِيم» صفة «لتنزيل» أو متعلق به و«الباطل» اسم فاعل ، وقيل : مصدر كالعاصِفةِ والعاقِبةِ{[48882]} .

فصل

لما بلغ في تهديد المُلحدين في آيات القرآن أتبعه تعظيم القرآن فقال : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } قال الكلبي عن أبن عباس رضي الله عنهم{[48883]} : أي كريم على الله . وقال قتادة : أعزة الله تعالى لا يجد الباطل إليه سبيلا . قال قتادة والسدي : الباطل هو الشيطان لا يستطيع أن يغيره أو يزيل فيه أو ينقص منه{[48884]} . وقال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن يُنْقَصُ منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يُزَادُ فيه فيأتيه الباطل من خلفه{[48885]} ، وعلى هذا فمعنى الباطل هو الزيادة والنقصان . وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ، ولا يأتي بعده كتاب{[48886]} فيُبطلُهُ ( و ) قال الزمخشري هذا تمثيل والمقصود أن الباطل لا يتطرق إليه ولا يجد إليه سبيلاً من جهة من الجهات حين يصل إليه{[48887]} .

فصل

اعلم أنَّ لأبي مسلم الأصفهاني أن يحتج بهذه الآية على أنه لم يوجد النسخ فيه ؛ لأن النسخ إبطال ، فلو دخل النسخ فيه لكان قد أتاه الباطل من خلفه وهذا خلاف الآية .

ثم قال : { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } أي حكيم في جميع أفعاله حميد إلى جميع خلقه بسبب كثرة نعمه{[11]} .


[48878]:نقله أبو البقاء في التبيان 1127 وهو رأي ابن الأنباري في البيان 2/341 ومكي في مشكل إعراب القرآن 2/272.
[48879]:قاضي البصرة وأميرها والمفوض من قبل خالد القسري كان من أهل الأدب والفصاحة توفي سنة 120 هـ وانظر هامش إنباه الرواة 1/245.
[48880]:انظر هذا بالمعنى من البحر المحيط 7/500 وباللفظ من الدر المصون 4/735.
[48881]:نقل هذين الاعتراضين أبو حيان في مرجعه السابق عن الحوفي رحمه الله.
[48882]:في ب ويقدر.
[48883]:هو قول العكبري في التبيان 1127.
[48884]:نقله أبو حيان في المرجع السابق.
[48885]:البغوي 6/113.
[48886]:نقله أبو الحسن الأخفش في المعاني 684 و685.
[48887]:البحر المحيط 7/500.
[48888]:الكشاف 3/455، فقد قال: فإن قلت: بم اتصل قوله: "إن الذين كفروا بالذكر"؟ قلت: هو بدل من قوله: إن الذين يلحدون في آياتنا، والذكر القرآن؛ لأنهم كفروا به.

[11]:سقط في ب.