الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَسُيِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا} (20)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وسيرت الجبال} يعني ونقلت الجبال من أماكنها، فطارت بين السماء والأرض من خشية الله، فضرب الله لها مثلا. فقال: {فكانت سرابا} يعني مثل السراب يكون بالقاع يحسبه الظمآن ماء، فإذا أتاه لم يجده شيئا، فذلك قوله: {تحسبها جامدة} [النمل:88] يعنى من بعيد يحسبها جبلا قائما، فإذا انتهى إليه ومسه لم يجده شيئا، فتصير الجبال أول مرة كالمهل، ثم تصير الثانية كالعهن المنفوش، ثم تذهب فتصير لا شيء، فتراها تحسبها جبالا، فإذا مسستها لم تجدها شيئا، فذلك قوله: {وسيرت الجبال} يعني انقطعت الجبال من خشية الله عز وجل يوم القيامة فكانت سرابا، فما حالك يا بن آدم؟...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

ونُسفت الجبال فاجْتُثت من أصولها، فصيرت هباء منبثا، لعين الناظر، كالسراب الذي يظنّ من يراه من بُعد ماء، وهو في الحقيقة هبَاء...

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{فكانت سرابا} في خفة سيرها...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن الله تعالى ذكر في مواضع من كتابه أحوال هذه الجبال على وجوه مختلفة، ويمكن الجمع بينها على الوجه الذي نقوله:

وهو أن أول أحوالها الاندكاك وهو قوله: {وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة}.

والحالة الثانية لها: أن تصير {كالعهن المنفوش} وذكر الله تعالى ذلك في قوله: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش} وقوله: {يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن}.

والحالة الثالثة: أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع وتتبدد بعد أن كانت كالعهن وهو قوله: {إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا}.

والحالة الرابعة: أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بإرسال الرياح عليها وهو المراد من قوله: {فقل ينسفها ربي نسفا}.

والحالة الخامسة: أن الرياح ترفعها عن وجه الأرض فتطيرها شعاعا في الهواء كأنها غبار فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجساما جامدة وهي الحقيقة مارة إلى أن مرورها بسبب مرور الرياح بها [صيرها] مندكة متفتتة، وهي قوله: {تمر مر السحاب} ثم بين أن تلك الحركة حصلت بقهره وتسخيره، فقال: {ويوم نسير الجبال} {وترى الأرض بارزة}.

الحالة السادسة: أن تصير سرابا، بمعنى لا شيء، فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا، كما أن من يرى السراب من بعد إذا جاء الموضع الذي كان يراه فيه لم يجده شيئا، والله أعلم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والجبال الرواسي الأوتاد سيرت فكانت سرابا. فهي مدكوكة مبسوسة مثارة في الهواء هباء، يحركه الهواء -كما جاء في مواضع وسور أخرى. ومن ثم فلا وجود لها كالسراب الذي ليس له حقيقة. أو إنها تنعكس إليها الأشعة وهي هباء فتبدو كالسراب!

إنه الهول البادي في انقلاب الكون المنظور، كالهول البادي في الحشر بعد النفخ في الصور. وهذا هو يوم الفصل المقدر بحكمة وتدبير..