مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَسُيِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا} (20)

ورابعها : قوله تعالى : { وسيرت الجبال فكانت سرابا } .

اعلم أن الله تعالى ذكر في مواضع من كتابه أحوال هذه الجبال على وجوه مختلفة ، ويمكن الجمع بينها على الوجه الذي نقوله : وهو أن أول أحوالها الاندكاك وهو قوله : { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } والحالة الثانية لها : أن تصير { كالعهن المنفوش } وذكر الله تعالى ذلك في قوله : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش } وقوله : { يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن } . والحالة الثالثة : أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع وتتبدد بعد أن كانت كالعهن وهو قوله : { إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباءا منبثا } .

والحالة الرابعة : أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بإرسال الرياح عليها وهو المراد من قوله : { فقل ينسفها ربي نسفا } . والحالة الخامسة : أن الرياح ترفعها عن وجه الأرض فتطيرها شعاعا في الهواء كأنها غبار فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجساما جامدة وهي الحقيقة مارة إلى أن مرورها بسبب مرور الرياح بها [ صيرها ] مندكة متفتتة ، وهي قوله : { تمر مر السحاب } ثم بين أن تلك الحركة حصلت بقهره وتسخيره ، فقال : { ويوم نسير الجبال } { وترى الأرض بارزة } .

الحالة السادسة : أن تصير سرابا ، بمعنى لا شيء ، فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا ، كما أن من يرى السراب من بعد إذا جاء الموضع الذي كان يراه فيه لم يجده شيئا ، والله أعلم .