الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ} (9)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "فَذَكّرْ إنْ نَفَعَتِ الذّكْرَى" يقول تعالى ذكره : فذكّر عباد الله يا محمد عظمته ، وعظْهم ، وحذّرهم عقوبته.

"إن نَّفَعَتِ الذّكْرَى" يقول : إن نفعت الذكرى الذين قد آيستُك من إيمانهم ، فلا تنفعهم الذكرى . وقوله فَذَكّرْ أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير جميع الناس ، ثم قال : إن نفعت الذكرى هؤلاء الذين قد آيستك من إيمانهم .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

فظاهر هذا يقتضي ألا يذكر إلا من نفعته الذكرى . ولكن تخصيص الحكم في حال يوصف لا يوجب قطع الحكم في ما كان الحال بخلاف ذلك الوصف ، بل يلزمه أن يذكر من نفعه ومن لا ينفعه، قال الله تعالى : { فذكر إنما أنت مذكر } الآية أمر بالتذكير على الإطلاق .

ثم قوله تعالى : { إن نفعت الذكرى } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن ذكر فقد نفعت الذكرى ، وهو كقوله تعالى : { ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا } [ الإسراء : 108 ] [ ومعناه قد كان وعد ربنا مفعولا ، وقد نفعت الذكرى، لأنه بتذكره أسلم من أسلم منهم ، وبه فازوا ، وبه نالوا الدرجات العليا، وقال تعالى: { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } [ الذريات: 55 ]. الثاني : أن يكون قوله عز وجل : { فذكر إن نفعت الذكرى } فسيأتي على أقوام لا تنفعهم الذكرى لديها ؛ وتلك حالة المعاينة لبأس الله وعذابه . ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله: ( فذكر ) أمر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يذكر الخلق ويعظهم ( إن نفعت الذكرى ) وإنما قال ذلك ، وهى تنفع لا محالة في عمل الايمان والامتناع من العصيان ، كما يقال : سله إن نفع السؤال، أي فيما يجوز عندك ، وقيل : معناه ذكرهم ما بعثتك به قبلوا أولم يقبلوا ، فإن إزاحة علتهم تقتضي اعلامهم وتذكيرهم وإن لم يقبلوا . ...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

والذِّكرى تنفع لا محالة ، ولكنْ لِمَنْ وَفَّقَه اللَّهُ للاتعاظِ بها ، أمَّا مَنْ كان المعلومُ من حاله الكفرَ والإعراضَ فهو كما قيل :

وما انتفاع أخي الدنيا بِمُقْلَتهِ *** إذا استوَتْ عنده الأنوارُ والظُّلَمُ ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فما معنى اشتراط النفع ؟ قلت : هو على وجهين؛

أحدهما : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم ، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوّاً وطغياناً ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتلظى حسرة وتلهفاً ويزداد جداً في تذكيرهم وحرصاً عليه ، فقيل له : { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] ، { فاصفح عَنْهُمْ وَقُلْ سلام } [ الزخرف : 89 ] ، { فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى } وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير .

والثاني : أن يكون ظاهره شرطاً ، ومعناه ذمّا للمذكرين ، وإخباراً عن حالهم ، واستبعاداً لتأثير الذكرى فيهم ، وتسجيلاً عليهم بالطبع على قلوبهم ، كما تقول للواعظ : عظ المكاسين إن سمعوا منك . قاصداً بهذا الشرط استبعاد ذلك ، وأنه لن يكون . ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

واختلف الناس في معنى قوله تعالى { إن نفعت الذكرى } فقال الفراء والزهراوي معناه : وإن لم تنفع ، فاقتصر على القسم الواحد لدلالته على الثاني ، وقال بعض الحذاق : إنما قوله { إن نفعت الذكرى } ، اعتراض بين الكلامين على جهة التوبيخ لقريش ، أي { إن نفعت الذكرى } في هؤلاء الطغاء العتاة...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

المراد منه البعث على الانتفاع بالذكرى ، كما يقول المرء لغيره إذا بين له الحق ، قد أوضحت لك إن كنت تعقل، فيكون مراده البعث على القبول والانتفاع به ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ فذكر } أي بهذا الذكر الحكيم ، وعبر بأداة الشك إفهاماً للإطلاق الكليّ فقال : { إن نفعت الذكرى } أي إن جوزت نفعها وترجيته ولو كان- على وجه ضعيف - بما أشار إليه تأنيث الفعل بعد ما أفادته أداة الشك ، ولا شك أن الإنسان لعدم علمه الغيب لا يقطع بعدم نفع أحد، بل لا يزال على رجاء منه وإن استبعده ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يدعو إلى الله تعالى وإن اشتد الأمر ، ولا يحقر أحداً أن يدعوه، ولا ييأس من أحد وإن اشتد عليه ، والأمر بالإعراض عمن تولى ونحو ذلك إنما هو بالإعراض عن الحزن عليه ومن تقطيع النفس لأجله حسرات ونحو ذلك .

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ذكر ( إن نفعت الذكرى ) . . والذكرى تنفع دائما ، ولن تعدم من ينتفع بها كثيرا كان أو قليلا . ولن يخلو جيل ولن تخلو أرض ممن يستمع وينتفع ، مهما فسد الناس وقست القلوب وران عليها الحجاب . .

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{ فذكر } ، أي فدم على تذكير الناس كلهم إن نفعت الذكرى جميعهم ، أي وهي لا تنفع إلا البعض وهو الذي يؤخذ من قوله : { سيذكر من يخشى } الآية . فالشرط في قوله : { إن نفعت الذكرى } جملة معترضة وليس متعلقاً بالجملة ولا تقييداً لمضمونها إذ ليس المعنى : فذكر إذا كان للذكرى نفع حتى يفهم منه بطريق مفهوم المخالفة أن لا تُذَكِّر إذا لم تنفع الذكرى ، إذ لا وجه لتقييد التذكير بما إذا كانت الذكرى نافعة إذ لا سبيل إلى تعرف مواقع نفع الذكرى ، ولذلك كان قوله تعالى : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } [ ق : 45 ] مؤولاً بأن المعنى فذكر بالقرآن فيتذكر من يخاف وعيد ، بل المراد فذكّر الناس كافة إنْ كانت الذكرى تنفع جميعَهم ، فالشرط مستعمل في التشكيك لأن أصل الشرط ب ( إنْ ) أن يكون غير مقطوع بوقوعه ، فالدعوة عامة وما يعلمه الله من أحوال الناس في قبول الهدى وعدمه أمر استأثر اللَّهُ بعلمه... وهذا تعريض بأن في القوم من لا تنفعه الذكرى وذلك يفهم من اجْتلاب حرف ( إنْ ) المقتضي عدم احتمال وقوع الشرط أو ندرة وقوعه ، ولذلك جاء بعده بقوله : { سيذكر من يخشى } فهو استئناف بياني ناشىء عن قوله : { فذكر } وما لحقه من الاعتراض بقوله : { إن نفعت الذكرى } المشعر بأن التذكير لا ينتفع به جميع المذكَّرين . وهذا معنى قول ابن عباس : تنفع أوليائي ولا تنفع أعدائي ...