اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ} (9)

قوله : { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى } . أي : فعظ قومك يا محمد بالقرآن { إِن نَّفَعَتِ الذكرى } أي : الموعظة ، و«إن » شرطية ، وفيه استبعاد لتذكرهم ؛ ومنه قوله : [ الوافر ]

5180- لَقدْ أسْمعْتَ لوْ نَاديْتَ حَيًّا *** ولكِنْ لا حَياةَ لِمَنْ تُنَادِي{[59913]}

وقيل : «إن » بمعنى : «إذا » كقوله : { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 139 ] أي : إذا كنتم مؤمنين .

وقيل : هي بمعنى : «قد » ذكره ابن خالويه ، وهو بعيد .

وقيل : بعده شيء محذوف ، تقديره : إن نفعت الذكرى ، وإن لم تنفع ، كقوله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر } [ النحل : 81 ] ، قاله الفراء والنحاس والجرجاني والزهراوي .

وقيل : إنه مخصوصٌ في قوم بأعيانهم .

وقيل : «إن » بمعنى : «ما » أي : فذكر ما نفعت الذِّكرى ، فتكون «إن » بمعنى : «ما » لا بمعنى : الشرط ؛ لأن الذكرى نافعة بكل حال . قاله ابن شجرة .

فصل في فائدة هذا الشرط

قال ابنُ الخطيب{[59914]} : إنه صلى الله كان مبعوثاً إلى الكل ، فيجب عليه تذكيرهم سواء إن نفعت الذكرى ، أو لم تنفعهم ، فما فائدة هذا الشرط ، وهو قوله : { إِن نَّفَعَتِ الذكرى } والجواب من وجوه : إمَّا أن يكون المراد : التنبيه على أشرف الحالين ، وهو وجود النفع الذي لأجله شرعت الذكرى ، قال : والمعلق ب «إن » على الشيء لا يلزمُ أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء ، ويدل عليه آيات منها هذه الآية ، ومنها قوله تعالى : { واشكروا للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [ البقرة : 172 ] ، ومنها قوله تعالى : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ } [ النساء : 101 ] ، فإن القصر جائز عند الخوف وعدمه ، ومنها قوله تعالى : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله وَتِلْكَ حُدُودُ الله } [ البقرة : 230 ] ، والمراجعة جائزة بدون هذا الظنِّ ، وإن كان كذلك ، فهذا الشرط فيه فوائد منها ما تقدم ، ومنها : تعقل ، وهو تنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم على أنهم لا تنفعهم الذكرى ، أو يكون هذا في تكرير الدعوة ، فأما الدعاء الأول فعام .

فإن قيل : الله - تعالى - عالم بعواقب الأمور بمن يؤمن ، ومن لا يؤمن ، والتعليق بالشرط ، إنما يحسن في حق من ليس بعالم .

فالجواب : أن أمر البعثة والدعوة شيء ، وعلمه تعالى بالمغيبات ، وعواقب الأمور غيره ، ولا يمكن بناء أحدهما على الآخر ، كقوله تعالى لموسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام - : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } [ طه : 44 ] ، وهو تعالى عالم بأنه لا يتذكر ولا يخشى .

فإن قيل : التذكير المأمور به ، هل هو مضبوط بعدد أو لا ؟ وكيف يكون الخروج عن عهدة التذكير ؟ .

والجواب أن المعتبر في التذكير والتكرير هو العرف .


[59913]:ينظر: البحر 8/454، والدر المصون 6/510.
[59914]:ينظر الفخر الرازي 31/131.