غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ} (9)

1

{ فذكر إن نفعت الذكرى } وإن لم تنفع فحذفت إحدى القرينتين للعلم بها كقوله { سرابيل تقيكم الحر }

[ النحل :81 ] وهو بناء على الأغلب فإن التذكير إنما يكون غالباً إذا كان رجاء التذكر حاصلاً كقوله

{ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً } [ النور :33 ] وفيه حث على الانتفاع بالذكرى كما يقول المرء لغيره إذا بين له الحق : قد أوضحت لك إن كنت تسمع وتقبل ، ويكون مراده البعث على السماع والقبول . أو تنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم على أن الذكرى لا تنفعهم كما يقال للرجل : أدع فلاناً إن أجابك . والمعنى ما أراه يجيبك . ووجه آخر وهو أن تذكير العالم واجب في أوّل الأمر . وأما التكرير فالضابط فيه هو العرف فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود فلهذا أردفه بالشرط . قيل : التعليق بالشرط إنما يحسن في حق من يكون جاهلاً بعواقب الأمور . والجواب أن أمر الدعوة والبعثة مبنيّ على الظواهر لا على الخفيات . وروي في الكتب أنه تعالى كان يقول لموسى { فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } [ طه :44 ] وأنا أشهد أنه لا يتذكر أو يخشى . وإنما سمى الوعظ بالتذكير لأن حسن هذا الدين مركوز في العقول { فطرة الله التي فطر الناس عليها } [ الروم :30 ] فكأن هذا العلم كان حاصلاً في نفسه بالقوّة ثم زال عنها بالعوائق والغواشي ، وعند بعض العقلاء أن النفوس قبل تعلقها بالأبدان عالمة بما لها أن تعلم إلا أنها نسيتها لاشتغالها بتدبير البدن ، ومن هنا قال أفلاطون : لست أعلمكم ما كنتم تجهلون ولكن أذكركم ما كنتم تعلمون .

/خ19