فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ} (9)

{ فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى } أي عظ يا محمد الناس بما أوحينا إليك ، وأرشدهم إلى سبل الخير واهدهم إلى شرائع الدين . قال الحسن : تذكرة للمؤمن وحجة على الكافر . قال الواحدي : إن نفعت أو لم تنفع ، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث مبلغاً للإعذار والإنذار ، فعليه التذكير في كل حال نفع ، أو لم ينفع ولم يذكر الحالة الثانية كقوله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر } [ النحل : 81 ] الآية . قال الجرجاني : التذكير واجب ، وإن لم ينفع ، فالمعنى : إن نفعت الذكرى أو لم تنفع . وقيل : إنه مخصوص في قوم بأعيانهم . وقيل : إن بمعنى ما : أي فذكر ما نفعت الذكرى ، لأن الذكرى نافعة بكل حال . وقيل : إنها بمعنى قد ، وقيل : إنها بمعنى إذ . وما قاله الواحدي والجرجاني أولى وقد سبقهما إلى القول به الفراء والنحاس . قال الرازي : إنّ قوله : { إِن نَّفَعَتِ الذكرى } للتنبيه على أشرف الحالين ، وهو : وجود النفع الذي لأجله شرعت الذكرى ، والمعلق بإن على الشيء لا يلزم أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء ، ويدل عليه آيات : منها هذه الآية ، ومنها قوله تعالى : { واشكروا للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [ البقرة : 172 ] . ومنها قوله : { فليس جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ } [ النساء : 101 ] فإن القصر جائز عند الخوف وعدمه ، ومنها قوله : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله } [ البقرة : 230 ] والمراجعة جائزة بدون هذا الظنّ ، فهذا الشرط فيه فوائد : منها ما تقدّم ، ومنها البعث على الانتفاع بالذكرى كما يقول الرجل لمن يرشده : قد أوضحت لك إن كنت تعقل ، وهو تنبيه للنبيّ صلى الله عليه وسلم على أنها لا تنفعهم الذكرى ، أو يكون هذا في تكرير الدعوة ، فأما الدعاء الأوّل فعامّ انتهى .

/خ19