المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

5- وإني خِفْتُ أقاربي ألا يحسنوا القيام علي أمر الدين بعد موتى ، وكانت ولا تزال امرأتي عقيماً ، فارزقني من فضلك غلاماً يخلفني في قومي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

وقوله تعالى : { وإني خفت الموالي } الآية ، اختلف الناس في المعنى الذي من أجله خاف { الموالي } ، فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح خاف أن يرثوا ماله وأن ترثه الكلالة فأشفق من ذلك ، وروى قتادة والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

«يرحم الله أخي زكرياء ما كان عليه ممن يرث ماله »{[7915]} وقالت فرقة إنما كان مواليه مهملين للدين ، فخاف بموته أن يضيع الدين ، فطلب { ولياً } يقوم بالدين بعده حكى هذا القول الزجاج وفيه أنه لا يجوز أن يسأل { زكرياء } من يرث ماله إذ الأنبياء لا تورث .

قال القاضي أبو محمد عبدالحق بن عطية رضي الله عنه : وهذا يؤيد قول النبي عليه السلام «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة »{[7916]} ، ويوهنه ذكر «العاقر » . والأكثر من المفسرين على أنه أراد وراثة المال ، ويحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم «إنا معشر الأنبياء لا نورث » أن لا يريد به العموم بل على أنه غالب امرهم فتأمله ، والأظهر الأليق { زكرياء } عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين فتكون الوراثة مستعارة ، ألا ترى أنه إنما طلب { ولياً } ، ولم يخصص ولداً فبلغه الله أمله على أكمل الوجوه .

وقال أبو صالح وغيره : قوله { يرثني } يريد المال ، وقوله { ويرث من آل يعقوب } يريد العلم والنبوة . وقال السدي : رغب { زكرياء } في الولد . و { خفت } من الخوف هي قراءة الجمهور وعليها هو هذا التفسير ، وقرأ عثمان بن عفان رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن العاصي وابن يعمر وابن جبير وعلي بن الحسين وغيرهم «خَفَّتِ » بفتح الخاء والفاء وشدها وكسر التاء على إسناد الفعل الى { الموالي } والمعنى على هذا انقطع أوليائي وماتوا ، وعلى هذه القراءة فإنما طلب { ولياً } يقول بالدين ، و { الموالي } بنو العم والقرابة الذين يلون بالنسب . وقوله { من ورائي } أي من بعدي في الزمن فهم الولاء على ما بيناه في سورة الكهف{[7915]} ، وقال أبو عبيدة في هذه الآية أي من بين يدي ومن أمامي وهذا قلة تحرير . وقرأ ابن كثير «من ورائيَ » بالمد والهمز وفتح الياء ، وقرأ أيضاً ابن كثير «من ورايَ » بالياء المفتوحة مثل عصاي ، والباقون همزوا ومدوا وسكنوا الياء . و «العاقر » من النساء التي لا تلد من غير كبرة وكذلك العاقر من الرجال .

ومن قول عامر بن الطفيل :

لبئس الفتى إن كنت أعور عاقراً . . . جباناً فما عذري لدى كل محضر{[7916]}

و { زكرياء } عليه السلام لما رأى من حاله إنما طلب { ولياً } ولم يصرح بولد{[3]} لبعد ذلك عنده بسبب المرأة .


[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[7915]:أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حيمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن الحسن في قوله: {يرثني ويرث من آل يعقوب}، قال: نبوته وعلمه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله أخي زكريا، ما كان عليه من ورثة، ويرحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد). (الدر المنثور).
[7916]:أخرجه أحمد في المسند، عن أبي هريرة،ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركت بعد مؤنة عاملي ونفقة نسائي صدقة)زورواه البخاري ومسلم بلفظ(نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، ورواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

جملة { وإني خفت الموالي من ورائي } عطف على جملة { واشتعل الرأس شيباً ، } أي قاربت الوفاة وخفت الموالي من بعدي . وما روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبي صالح عن النبيء صلى الله عليه وسلم مرسلاً أنه قال : " يرحم الله زكرياء ما كان عليه من وراثة ماله " فلعلّه خشي سوء معرفتهم بما يخلّفه من الآثار الدينية والعلمية . وتلك أعلاق يعزّ على المؤمن تلاشيها ، ولذلك قال : { يرثني ويرث من آل يعقوب } فإن نُفوس الأنبياء لا تطمح إلا لمعالي الأمور ومصالح الدين وما سوى ذلك فهو تبع .