البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

{ وإني خفت الموالي من ورائي } { الموالي } بنو العم والقرابة الذين يلون بالنسب .

قال الشاعر :

مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا ***لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

وقال لبيد :

ومولى قد دفعت الضيم عنه***وقد أمسى بمنزلة المضيم

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح { الموالي } هنا الكلالة خاف أن يرثوا ماله وأن يرثه الكلالة .

وروى قتادة والحسن عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : « يرحم الله أخي زكريا ما كان عليه ممن يرث ماله » وقالت فرقة : إنما كان مواليه مهملين الدين فخاف بموته أن يضيع الدين فطلب ولياً يقوم بالدين بعده ، وهذا لا يصح عنه إذ قال عليه السلام : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة » والظاهر اللائق بزكريا عليه السلام من حيث هو معصوم أنه لا يطلب الولد لأجل ما يخلفه من حطام الدنيا .

وكذلك قول من قال : إنما خاف أن تنقطع النبوّة من ولده ويرجع إلى عصبته لأن تلك إنما يضعها الله حيث شاء ولا يعترض على الله فيمن شاءه واصطفاه من عباده .

قال الزمخشري كان مواليه وهم عصبته إخوته وبنو عمه شرار بني إسرائيل فخافهم على الدين أن يغيروه وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته ، فطلب عقباً صالحاً من صلبه يقتدى به في إحياء الدين .

وقرأ الجمهور { خفت } من الخوف .

وقرأ عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن العاصي وابن يعمر وابن جبير وعليّ بن الحسين وولده محمد وزيد وشبيل بن عزرة والوليد بن مسلم لأبي عامر { خفت } بفتح الخاء والفاء مشددة وكسر تاء التأنيث { الموالي } بسكون الياء والمعنى انقطع مواليّ وماتوا فإنما أطلب ولياً يقوم بالدين .

وقرأ الزهري { خفت } من الخوف { الموالي } بسكون التاء على قراءة { خفت } من الخوف يكون { من ورائي } أي بعد موتي .

وعلى قراءة { خفت } يحتمل أن يتعلق { من ورائي } بخفت وهو الظاهر ، فالمعنى أنهم خفوا قدامه أي درجوا فلم يبق منهم من له تقوّ واعتضاد ، وأن يتعلق بالموالي أي قلوا وعجزوا عن إقامة الدين .

و { ورائي } بمعنى خلفي ومن بعدي ، فسأل ربه تقويتهم ومظاهرتهم بولي يرزقه .

وروي عن ابن كثير من وراي مقصوراً كعصاي .

وتقدم شرح العاقر في آل عمران وقوله { من لدنك } تأكيد لكونه ولياً مرضياً بكونه مضافاً إلى الله وصادراً من عنده ، أو أراد اختراعاً منك بلا سبب لأني وامرأتي لا نصلح للولادة .

والظاهر أنه طلب من الله تعالى أن يهبه ولياً ولم يصرح بأن يكون ولدا لبعد ذلك عنده لكبره وكون امرأته عاقراً .

وقيل : إنما سأل الولد .