فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

{ وإني خفت } بكسر الخاء { الموالي من ورائي } وقرئ خفت بكسر التاء وفاعله الموالي ، أي قلوا وعجزوا عن القيام بأمر الدين بعدي أو انقطعوا بالموت ، مأخوذ من خفت القوم إذا ارتحلوا ، وهذه قراءة شاذة وبعيدة عن الصواب . والموالي هنا هم الأقارب الذين يرثون وسائر العصبات من بني العم ، ونحوهم ، والعرب تسمي هؤلاء موالي . وقيل هم الناصرون له ، وقيل الكلالة ، وقيل جميع الورثة .

واختلفوا في وجه المخافة من زكريا لمواليه من بعده ، فقيل خاف أن يرثوا ماله وأراد أن يرثه ولده ، فطلب من الله سبحانه أن يرزقه ولدا .

وقال آخرون : إنهم كانوا مهملين لأمر الدين فخاف أن يضيع الدين بموته ، فطلب وليا يقوم به بعد موته ، وهذا القول أرجح من الأول ، لأن الأنبياء لا يورثون ، وهم أجل من أن يعتنوا بأمور الدنيا ، فليس المراد هنا وراثة المال ، بل المراد وراثة العلم والنبوة والقيام بأمر الدين ، وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) {[1156]} .

{ وكانت امرأتي عاقرا } هي التي لا تلد لكبر سنها والتي لا تلد أيضا لغير كبر ، وهي المرادة هنا ؛ويقال للرجل الذي لا يلد عاقر أيضا . قال ابن جرير : وكان اسم امرأته أشاع بنت فاقود بن ميل ، وهي أخت حنة ، وهي أم مريم ، فولد لأشاع يحيى ولحنة مريم . وقال القتيبي : هي أشاع بنت عمران ، فعلى القول الأول يكون يحي بن زكريا ابن خالة أم عيسى . وعلى الثاني يكونان ابني خالة ، كما ورد في الحديث الصحيح .

{ فهب لي من لدنك } أي أعطني من فضلك { وليا } مرضيا لأن مثله لا يرجى إلا من فضلك وكمال قدرتك . ولم يصرح بطلب الولد لما علم من نفسه بأنه قد صار هو وامرأته في حالة لا يجوز فيها حدوث الولد بينهما ، وحصوله منها ، وقد قيل : إنه كان ابن بضع وتسعين سنة ، وقيل : بل أراد بالولي الذي طلبه هو الولد ، ولا مانع من سؤال من كان مثله لما هو خارق للعادة . فإن الله سبحانه قد يكرم رسله ما يكون ذلك ، فيكون من جملة المعجزات الدالة على صدقهم


[1156]:مسلم1757_البخاري 1390.